للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسير قوله تعالى: (قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشداً)

قال الله تعالى: {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا * قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا * قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا * قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا} [الكهف:٦٦ - ٧٠]].

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [يخبر تعالى عن قيل موسى عليه السلام لذلك الرجل العالم، وهو الخضر الذي خصه الله بعلم لم يطلع عليه موسى].

لا شك في أن موسى أفضل من الخضر؛ لأن موسى هو من أولي العزم الخمسة، وهو في المرتبة الثالثة في الفضل بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وإبراهيم، وأما الخضر فهو مختلف في نبوته.

وفي هذه القصة من الفوائد أن المفضول قد يكون عنده من العلم ما ليس عند الفاضل، فالخضر كان عنده علم لم يعلمه موسى مع أن موسى أفضل منه.

وفيها دليل على أن الفضيلة الخاصة لا تقضي على الفضائل العامة، فهذه الفضيلة والمنقبة للخضر فضيلة خاصة، لكن موسى له فضائل كثيرة، ومن ذلك ما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق، فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور)، فهذه منقبة لموسى، وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما يفيق من الصعقة يوم القيامة يجد موسى آخذاً بقائمة من قوائم العرش، فلا يدري هل هو أفاق قبله، أو أنه لم يصعق، وهذه الصعقة حين يأتي الله لفصل القضاء في موقف القيامة، وسببها تجلي الله للخلائق، فيحتمل أن موسى لم يصعق؛ لأنه صعق يوم الطور، ويحتمل أنه صعق وأفاق قبل النبي صلى الله عليه وسلم، لكن هذه فضيلة خاصة.

وكذلك ما ورد من أن الناس يحشرون يوم القيامة عراة ليس عليهم ثياب كما ولدتهم أمهاتهم حفاة غرلاً غير مختونين، وأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فهذه منقبة خاصة له عليه السلام.

وستكون في الدنيا نفختان: الأولى: نفخة الصعق، وهي نفخة إسرافيل، فأولها فزع وآخرها صعق، أي: غشي وموت، وهذا هو الصواب، قال تعالى: {وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ} [النمل:٨٧] في آية النمل، وفي الزمر: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ} [الزمر:٦٨]، فهذه نفخة واحدة يطولها إسرافيل، فيبدأ الصوت خافتاً فلا يزال يقوى حتى يموت الناس، هذه هي النفخة الأولى.

النفخة الثانية: نفخة البعث، قال تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى} [الزمر:٦٨]، وهي نفخة البعث، وبينهما أربعون، فينزل الله مطراً تنبت منه أجساد الناس، وينشأ الناس تنشئة غير التنشئة التي في الدنيا، فإذا كمل خلقهم أذن الله لإسرافيل فنفخ في الصور فتطايرت الأرواح وعادت إلى أجسادها، فقام الناس من طورهم.

وهناك نفخة ثالثة، وهذه تكون يوم القيامة، وتكون إذا تجلى الله لفصل القضاء والناس واقفون في موقف القيامة، فيصعقون صعقة غشي لا موت، كما في الصحيحين (إن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق) أي: إفاقة من الغشي.

وجاء في الحديث الآخر: (نفخات ثلاث) لكن الحديث من رواية إسماعيل بن رافع وهو ضعيف، والصواب أنها نفختان، والنفخة الأولى أولها فزع وآخرها موت.

وقوله تعالى: {إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزمر:٦٨] قال العلماء: من شاء الله ألا يموت، مثل الأرواح؛ فإنها تظل باقية، وكذا الولدان والحور في الجنة لا يموتون؛ لأن الله استثناهم.