للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسير قوله تعالى: (وآمنوا بما أنزلت مصدقاً لما معكم)

قال الله تعالى: [ولهذا قال: {وَآمِنُوا بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ} [البقرة:٤١].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [يعني به القرآن الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم النبي الأمي العربي، بشيراً ونذيراً، وسراجاً منيراً، مشتملاً على الحق من الله تعالى، مصدقاً لما بين يديه من التوراة والإنجيل، قال أبو العالية رحمه الله في قوله تعالى: {وَآمِنُوا بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ} يقول: يا معشر أهل الكتاب! آمنوا بما أنزلت مصدقاً لما معكم، يقول: لأنهم يجدون محمداً صلى الله عليه وسلم مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل.

وروي عن مجاهد والربيع بن أنس وقتادة نحو ذلك.

وقوله: {وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} [البقرة:٤١] قال بعض المعربين: أول فريق كافر به أو نحو ذلك.

قال ابن عباس: ولا تكونوا أول كافر به وعندكم فيه من العلم ما ليس عند غيركم].

لأنهم أهل كتاب أنزل الله عليهم التورة، فهم أهل كتاب وليسوا كالجهلة من كفار قريش، فإنهم عباد أوثان ليس عندهم شيء من العلم، وأما هؤلاء فعندهم علم التوراة، ولهذا فكفار قريش في الجاهلية يأتون إلى اليهود ويسألونهم ويقولون: أنتم أهل العلم، فليس من يعلم كمن لا يعلم.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال أبو العالية: يقول: ولا تكونوا أول من كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم يعني من جنسكم أهل الكتاب بعد سماعكم بمبعثه، وكذا قال الحسن والسدي والربيع بن أنس، واختار ابن جرير أن الضمير في قوله به عائد على القرآن الذي تقدم ذكره في قوله: ((بِمَا أَنزَلْتُ))، وكلا القولين صحيح؛ لأنهما متلازمان].

قوله تعالى: {وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} [البقرة:٤١] أي: بالقرآن أو بمحمد فهما متلازمان، فمن كفر بالقرآن فقد كفر بمحمد، ومن كفر بمحمد فقد كفر بالقرآن، فهما متلازمان وكل منهما حق.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكلا القولين صحيح؛ لأنهما متلازمان؛ لأن من كفر بالقرآن فقد كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم، ومن كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم فقد كفر بالقرآن، وأما قوله: {أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} [البقرة:٤١] فيعني به: أول من كفر به من بني إسرائيل؛ لأنه قد تقدمهم من كفار قريش وغيرهم من العرب بشر كثير، وإنما المراد أول من كفر به من بني إسرائيل مباشرة، فإن يهود المدينة أول بني إسرائيل خوطبوا بالقرآن، فكفرهم به يستلزم أنهم أول من كفر به من جنسهم].