[بيان معنى الصلاة واشتقاقها]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأصل الصلاة في كلام العرب: الدعاء.
قال الأعشى: لها حارس لا يبرح الدهر بيتها وإن ذبحت صلى عليها وزمزما].
قوله: [صلى عليها] يعني: دعا لها، فالصلاة: الدعاء.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال أيضاً: وقابلها الريح في دنها وصلى على دنها وارتسم].
الدّن: كأس الخمر، أو إناء الخمر.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أنشدهما ابن جرير مستشهداً على ذلك.
وقال الآخر -وهو الأعشى - أيضاً: تقول بنتي وقد قربت مرتحلاً يارب جنب أبي الأوصاب والوجعا عليك مثل الذي صليت فاغتمضي نوماً فإن لجنب المرء مضطجعا].
قوله: [مثل الذي صليت]: يعني دعيت، والشاهد أن الصلاة معاها الدعاء، والأوصاب: الأمراض والأوجاع.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [يقول: عليك من الدعاء مثل الذي دعيته لي، وهذا ظاهر، ثم استعملت الصلاة في الشرع في ذات الركوع والسجود والأفعال المخصوصة في الأوقات المخصوصة بشروطها المعروفة وصفاتها وأنواعها المشهورة].
فالصلاة هي أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم، لها أوقات خاصة وهيئات خاصة، وأركان خاصة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال ابن جرير: وأرى أن الصلاة سميت صلاة لأن المصلي يتعرض لاستنجاح طلبته من ثواب الله بعمله مع ما يسأل ربه من حاجته].
قوله: [الاستنجاح طلبته] أي: لطلب نجاح الحاجة، فالاستجاح: استفعال من النجاح.
أي أن الصلاة مشتملة على دعاء العبادة ودعاء المسألة.
فدعاء العبادة: الركوع والسجود، والقيام والقعود، والتشهد والقراءة.
ودعاء المسألة: كأن يقول المصلي: رب اغفر لي، والدعاء في آخر التشهد دعاء مسألة، فهو مشتمل على دعاء العبادة ودعاء المسألة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقيل: هي مشتقة من الصلوين إذا تحركا في الصلاة عند الركوع والسجود، وهما: عرقان يمتدان من الظهر حتى يكتنفان عجب الذنب، ومنه سمي المصلي، وهو التالي للسابق في حلبة الخيل، وفيه نظر.
وقيل: هي مشتقة من الصلي وهو ملازمة للشيء من قوله تعالى: ((لا يَصْلاهَا)) أي: لا يلزمها ويدوم فيها، {إِلَّا الأَشْقَى} [الليل:١٥]، وقيل: هي مشتقة من تصلية الخشبة في النار لتقوم، كما أن المصلي يقوم عوجه بالصلاة، {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت:٤٥]، واشتقاقها من الدعاء أصح وأشهر.
والله أعلم].
الصواب أن الصلاة مأخوذة من الدعاء، وهذا هو الأقرب؛ لأن المصلي يدعو دعاء بلسان الحال وبلسان المقال، فدعاؤه بلسان الحال: ركوعه وسجوده، وقيامه وقعوده وتشهده، وبلسان المقال كدعائه بين السجدتين: رب اغفر لي، وفي آخر التشهد.
وأما الزكاة فسيأتي الكلام عليها في موضعه إن شاء الله تعالى.