قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال قتادة في قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ}[البقرة:٣٤] فكانت الطاعة لله والسجدة لآدم، أكرم الله آدم أن يسجد له ملائكته، وقال بعض الناس: كان هذا سجود تحية وسلام وإكرام كما قال تعالى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا}[يوسف:١٠٠] وقد كان هذا مشروعاً في الأمم الماضية ولكنه نسخ في ملتنا].
كان في شريعة يعقوب ويوسف تجوز التحية، ولهذا لما قدم يعقوب عليه الصلاة والسلام وأبناؤه من فلسطين إلى مصر على يوسف رفعهم على العرش وخروا له سجداً سجود تحية لا سجود عبادة، وكان هذا تأويلاً للرؤيا؛ لأنه لما رأى وهو صغير:{إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ}[يوسف:٤] قال بعد مدة طويلة: {يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ}[يوسف:١٠٠] وذلك حين سجدوا له، وكان هذا جائزاً في شريعة من سبقنا، أما في شريعتنا التي هي أكمل الشرائع فلا يجوز لغير الله سجود لا تحية ولا سجود إكرام.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال معاذ: (قدمت الشام فرأيتهم يسجدون لأساقفتهم وعلمائهم فأنت يا رسول الله أحق أن يسجد لك، فقال: لو كنت آمراً بشراً أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها) ورجحه الرازي.
وقال بعضهم: بل كانت السجدة لله وآدم قبلة فيها كما قال تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ}[الإسراء:٧٨]].
وهذا غلط؛ لأنه مخالف للنص، قال الله تعالى:{اسْجُدُوا لِآدَمَ}[البقرة:٣٤] فالسجود لآدم، لكنه عبادة لله, فالله تعالى أمرهم أن يسجدوا لآدم تعبداً له سبحانه, وإذا أمر الله بأمر وجب امتثال أمره.
ومن ذلك أمر الله أن نقبل الحجر الأسود تعبداً له, وأن نطوف بالبيت تعبداً له لا للكعبة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال بعضهم: بل كانت السجدة لله وآدم قبلة فيها كما قال تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ}[الإسراء:٧٨] وفي هذا التنظير نظر، والأظهر أن القول الأول أولى، والسجدة لآدم إكراماً وإعظاماً واحتراماً وسلاماً، وهي طاعة لله عز وجل؛ لأنها امتثال لأمره تعالى، وقد قواه الرازي في تفيسره وضعف ما عداه من القولين الآخرين، وهما كونه جعل قبلة؛ إذ لا يظهر فيه شرف، والآخر أن المراد بالسجود الخضوع لا الانحناء ووضع الجبهة على الأرض، وهو ضعيف كما قال].
الصواب: أن هذا سجود صحيح وحقيقي، وهو سجود إكرام لآدم، وعبادة لله عز وجل؛ لأنه الآمر بذلك.