للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سحر الشعوذة والتخييل]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال: النوع الرابع من السحر: التخيلات والأخذ بالعيون والشعبذة، ومبناه على أن البصر قد يخطىء ويشتغل بالشيء المعين دون غيره، ألا ترى ذا الشعبذة الحاذق يظهر عمل شيء يذهل أذهان الناظرين به ويأخذ عيونهم إليه، حتى إذا استفرغهم الشغل بذلك الشيء بالتحديث ونحوه عمل شيئاً آخر عملاً بسرعة شديدة، وحينئذ يظهر لهم شيء آخر غير ما انتظروه؛ فيتعجبون منه جداً].

كل ما يفعله المشعبذ هو أنه يصرف الخواطر، وهذا هو سحر التخييل، ويسميه بعض العامة (قمرة)، ومنه سحر سحرة فرعون، فإنهم جعلوا في العصي والحبال زئبقاً، فصارت تتلوى وكأنها حيات، وخيلوا على الناس، ومنها الألعاب البهلوانية التي يفعلها بعض الناس، كمن يجر السيارة بشعر لحيته، أو يضرب بطنه ويخرج الدم، أو يدخل من فم البعير ويخرج من دبره، وهو كذاب يخيل أنه يدخل من فم البعير وهو يمشي حوله، أو يخيل أنه يضرب بطنه وهو لا يضرب بطنه، وحتى الذي يقول: إنه يقطع شخصاً نصفين وهو في صندوق كاذب، وقد تبين أنهم يصورون الصورة التي تعرض هذا في وقت آخر، ويضعون شخصاً في جهة وآخر في جهة أخرى، ثم يعرضونها والساحر يضرب الصندوق وكأنه قطعه نصفين، وهذا كله من سحر التخييل.

والسحر نوعان: سحر تخييل، وسحر حقيقة، ويقول أبو حنيفة رحمه الله: لا يكون السحر إلا خيالاً، والصواب أن له حقيقة وله خيالاً، فسحر الحقيقة يؤثر في البدن بأن يقتل أو يمرض أو يفرق بين المرء وزوجه، قال الله تعالى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق:٤]، وسحر الخيال إنما هو تخييل على العيون فقط، قال تعالى: {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ} [الأعراف:١١٦]، مثل الذي يخيل للناس أنه يقطع الشخص نصفين، فيتراءى للعيون غير الحقائق، والساحر الذي يتصل بالشياطين كافر.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولو أنه سكت ولم يتكلم بما يصرف الخواطر إلى ضد ما يريد أن يعمله، ولم تتحرك النفوس والأوهام إلى غير ما يريد إخراجه لفطن الناظرون لكل ما يفعله.

قال: وكلما كانت الأحوال تفيد حسن البصر نوعاً من أنواع الخلل أشد كان العمل أحسن، مثل أن يجلس المشعبذ في موضع مضيء جداً أو مظلم، فلا تقف القوة الناظرة على أحوالها والحالة هذه.

قلت: وقد قال بعض المفسرين: إن سحر السحرة بين يدي فرعون إنما كان من باب الشعبذة، ولهذا قال تعالى: {فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} [الأعراف:١١٦]، وقال تعالى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه:٦٦]، قالوا: ولم تكن تسعى في نفس الأمر، والله أعلم].

الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى أطال النفس وبسط في شرحه لهذه الآية.