قال الله تعالى:{فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى}[طه:٦٤] قوله: {فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا}[طه:٦٤].
قال المؤلف رحمه الله تعالى:[أي: اجتمعوا كلكم صفاً واحداً وألقوا ما في أيديكم مرة واحدة؛ لتبهروا الأبصار، وتغلبوا هذا وأخاه].
وهذا من وصية السحرة بعضهم لبعض، قالوا:{إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى}[طه:٦٣] يعني: يريدان أن يذهبا بالشرف والأموال، فأجمعوا أمركم، أي: اجتمعوا فتكون كلمتكم واحدة، وصمموا وألقوا ما في أيديكم مرة واحدة؛ حتى تغلبوا موسى.
لأنهم يخافون على أموالهم، فالسحرة يظنون أن عيشهم أحسن عيش، وهم في أحسن حالة، ويريدون أن يبقوا على هذا الحال، وهم يعلمون أنهم مبطلون، لكن يريدون أن يبقوا على ما هم عليه، فلما تبين لهم الحق تغير الحال فسبحان من يغير ولا يتغير، فلما تبين لهم الحق ذهبت هذه الأطماع وهذه الآمال الباطلة وذهب البهرج واتضح الحق، فآمنوا بالله وتركوا ما يؤملونه من بقاء الأموال وبقاء الشرف؛ لأنهم تبين لهم الحق الآن وظهر واضحاً أبلج.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [{وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى}[طه:٦٤] أي: منا ومنه، أما نحن فقد وعدنا الملك العطاء الجزيل، وأما هو فينال الرياسة العظيمة].
أي: أفلح اليوم من ظهر وعلا وغلب، فهو منا أو منهم، فإن ظهر علينا فله الفلاح، وإن ظهرنا عليه فلنا الفلاح، وهذا هو الوقت الفاصل الآن، ووقت حسم للأمر، فإما أن يظهر موسى وهارون فيكون لهم الفلاح والاستعلاء، وإما أن نظهر فيكون لنا الفلاح والاستعلاء، وهذه لحظة حاسمة بسبب اجتماع الناس، فكل الناس قد أتوا في وقت واضح أبلج وهو وقت الزينة، وهو موعد مسبق ومكان مسبق قد عرفه الناس، فيوصي السحرة بعضهم بعضاً بالاجتماع والاتحاد والعناية والاجتهاد في غلبة موسى وإلقاء ما في أيديهم مرة واحدة.