للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اختيار ابن كثير]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قلت: والظاهر قول مجاهد فيما رواه الثوري عن رجل عن مجاهد، ورواه غير واحد عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه قال: أربع آيات من أول سورة البقرة في نعت المؤمنين، وآيتان في نعت الكافرين، وثلاث عشرة في المنافقين.

فهذه الآيات الأربع عامات في كل مؤمن اتصف بها من عربي وعجمي وكتابي، من إنسي وجني، وليس تصح واحدة من هذه الصفات بدون الأخرى، بل كل واحدة مستلزمة للأخرى وشرط معها، فلا يصح الإيمان بالغيب وإقام الصلاة والزكاة إلا مع الإيمان بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وما جاء به من قبله من الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، والإيقان بالآخرة، كما أن هذا لا يصح إلا بذاك، وقد أمر الله المؤمنين بذلك، كما قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ} [النساء:١٣٦] الآية، وقال تعالى: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ} [العنكبوت:٤٦] الآية، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ} [النساء:٤٧]، وقال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} [المائدة:٦٨].

وأخبر تعالى عن المؤمنين كلهم بذلك، فقال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة:٢٨٥]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ} [النساء:١٥٢]، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أمر جميع المؤمنين بالإيمان بالله ورسله وكتبه، لكن لمؤمني أهل الكتاب خصوصية، وذلك أنهم يؤمنون بما بأيديهم مفصلاً، فإذا دخلوا في الإسلام وآمنوا به مفصلاً كان لهم على ذلك الأجر مرتين، وأما غيرهم فإنما يحصل له الإيمان بما تقدم مجملاً، كما جاء في الصحيح: (إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تكذبوهم ولا تصدقوهم، ولكن قولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم)، ولكن قد يكون إيمان كثير من العرب بالإسلام الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم أتم وأكمل، وأعم وأشمل من إيمان من دخل منهم في الإسلام، فهم وإن حصل لهم أجران من تلك الحيثية فغيرهم يحصل له من التصديق ما يُنيف ثوابه على الأجرين اللذين حصلا لهم، والله أعلم].