للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أمر الله لبني إسرائيل بالسجود عند دخول الأرض المقدسة]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولما فتحوها أمروا أن يدخلوا الباب باب البلد: {سُجَّدًا} [الأعراف:١٦١]، أي: شكراً لله تعالى على ما أنعم به عليهم من الفتح والنصر، ورد بلدهم عليهم، وإنقاذهم من التيه والضلال، قال العوفي في تفسيره عن ابن عباس: أنه كان يقول في قوله تعالى: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا} [الأعراف:١٦١] أي: ركعاً، وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا سفيان عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا} قال: ركعاً من باب صغير.

رواه الحاكم من حديث سفيان به، ورواه ابن أبي حاتم من حديث سفيان وهو الثوري به، وزاد: فدخلوا من قبل أستاههم].

أي: أدبارهم، والدبر يقال له: است، وهي المقعدة، وهذا من عتوهم وعنادهم، إذ أمروا أن يدخلوا الباب سجداً فدخلوا يزحفون على أدبارهم، فكان كل واحد منهم يزحف على مقعدته والعياذ بالله! وهذا من التغيير بالفعل والتغيير بالقول، قال الله: {وَقُولُوا حِطَّةٌ} [الأعراف:١٦١] يعني: حط يا الله عنا ذنوبنا واغفر لنا! فقالوا: حنطة، فغيروا بالقول والفعل، والجهمية في: (استوى) زادوا لاماً فقالوا: (استولى) ولذلك قال ابن القيم رحمه الله: إن لام الجهمية مثل نون اليهود، فاليهود زادوا نوناً في حطة فقالوا: حنطة، والجهمية زادوا لاماً في استوى فقالوا: معنى {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [يونس:٣] استولى.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقال الحسن البصري: أمروا أن يسجدوا على وجوههم حال دخولهم واستبعده الرازي، وحكي عن بعضهم أن المراد هاهنا بالسجود: الخضوع لتعذر حمله على حقيقته].

والصواب الأول، وهو أن المراد بالسجود: الركوع، وليس المراد السجود على الجباه أو الخضوع؛ لأمرين: الأول: أن السجود يأتي في اللغة بمعنى الركوع.

الثاني: أنه لا يمكن دخولهم على جباههم، والركوع في اللغة يسمى سجوداً، ومنه سجدت الأشجار أي: مالت، فالميل يسمى سجوداً.

والمعنى: ادخلوا الباب ركعاً وأنتم خاضعون لله بالقول والفعل تعظيماً لله عز وجل، واسألوا الله المغفرة، وحط الخطايا، وقولوا حطة، فغيروا بالقول والفعل، فعاقبهم الله تعالى حيث قال: {فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [البقرة:٥٩] وفي الآية أن عملهم هذا فسق وعصيان لله ولرسوله، فبعد أن منّ الله عليهم وفتح عليهم، أمرهم أن يشكروه فيدخلون راكعين خاضعين شاكرين له على ما تم لهم من الفتح والنصر، وعلى استرداد بلدهم عليهم، وعلى نصرهم على العماليق الكفار، فغيروا بالقول وبالفعل، ودخلوا يزحفون على أستاههم، وقالوا: حنطة، نعوذ بالله! قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقال خصيف: قال عكرمة: قال ابن عباس: كان الباب قبل القبلة، وقال ابن عباس ومجاهد والسدي وقتادة والضحاك: هو باب الحطة من باب إيليا ببيت المقدس، وحكى الرازي عن بعضهم: أنه عنى بالباب جهة من جهات القبلة، وقال خصيف: قال عكرمة: قال ابن عباس: فدخلوا على شق، وقال السدي: عن أبي سعيد الأزدي عن أبي الكنود عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قيل لهم: ادخلوا الباب سجداً، فدخلوا مقنعي رءوسهم، أي: رافعي رءوسهم خلاف ما أمروا].