للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض)]

قال الله تعالى: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا} [الكهف:٩٩].

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} أي: الناس يومئذ، أي: يوم يدك هذا السد ويخرج هؤلاء فيموجون في الناس، ويفسدون على الناس أموالهم ويتلفون أشياءهم، وهكذا قال السدي في قوله: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} قال: ذاك حين يخرجون على الناس].

الصواب أن خروجهم بعد الدجال وبعد نزول عيسى عليه الصلاة والسلام، وخروجهم هو الشرط الرابع من أشراط الساعة التي تتلوها الساعة مباشرة؛ فنحن الآن نعيش مع أشراط الساعة الصغرى، وما زلنا فيها، وهي تزيد وتكثر، وأولها بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه نبي الساعة، قال عليه الصلاة والسلام: (بعثت أنا والساعة كهاتين).

ومن أشراط الساعة: موته صلى الله عليه وسلم، ومنها: فتح بيت المقدس، ومنها: الحروب التي جرت بين الصحابة، ومنها: إضاعة الأمانة وإسناد الأمور إلى غير أهلها، وتقارب الأيام، وغير ذلك مما ورد في الأحاديث، فهذه كلها أشراط الساعة الصغرى.

ثم تليها أشراط الساعة الكبرى التي تتبعها الساعة مباشرة، وهي مشبهة بالعقد الذي إذا انقطع تساقط الخرز، وأولها: خروج المهدي، والمهدي رجل من سلالة فاطمة، اسمه كاسم النبي صلى الله عليه وسلم، وكنيته ككنيته، فهو محمد بن عبد الله المهدي، يملك الأرض ويملؤها عدلاً كما ملئت جوراً، ويبايع له في وقت ليس فيه إمام، ثم في زمن الفتن ونحصر الناس في الشام، ويقاتل المسلمون النصارى، والآن كثر النصارى كثرة هائلة، فيعقد المسلمون معهم صلحاً ثم يغدر النصارى ويكونون ثمانين راية تحت كل راية ثمانون ألفاً، وسيقاتلهم المسلمون، ثم تفتح القسطنطينية، وعند فتح القسطنطينية يعلق المسلمون سيوفهم بالزيتون، وهذا ظاهره أن الناس يرجعون إلى السلاح القديم، وأن هذه المخترعات تنتهي، فلهذا يقاتل الجيش الذي يخرج من المدينة المشركين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني لأعرف أسماءهم وألوان خيولهم).

ثم إذا فتحت القسطنطينية -كما في صحيح مسلم - صاح الشيطان: إن الدجال قد خلفكم في أهليكم.

وقد صاح قبل هذه المرة وهو يكذب، وفي هذه المرة يخرج الدجال بعد فتح القسطنطينية، وخروج الدجال هو العلامة الثانية، ويكون في زمن المهدي، ثم ينزل عيسى بن مريم من السماء -وهو العلامة الثالثة- ويقتل الدجال، ثم تخرج يأجوج ومأجوج في زمن عيسى عليه السلام، وهم العلامة الرابعة، ثم تتابع بقية الأشراط، ومنها: هدم الكعبة والعياذ بالله، ونزع القرآن من الصدور والمصاحف، والدخان الذي يملأ الأرض، ثم طلوع الشمس من مغربها، ثم الدابة التي تسم الناس في وجوههم، ثم آخرها نار تخرج من قعر عدن -وهي العلامة العاشرة- تسوق الناس إلى المحشر، تبيت معهم إذا باتوا وتقيل معهم إذا قالوا، وتأتي ريح طيبة فتقبض أرواح المؤمنين والمؤمنات قبل قيام الساعة، فتقوم الساعة على الكفرة والعياذ بالله.

وإذا خلت الأرض من التوحيد والإيمان، فلا يبقى فيها من يذكر الله ولا يقول كلمة التوحيد، حتى لا يقال: الله الله، حينها تقوم الساعة، وقبل ذلك تأتي ريح طيبة من جهة اليمن فتقبض أرواح المؤمنين والمؤمنات كما في الحديث، حتى لو كان أحدهم في كبد جبل لدخلته عليه حتى تقبضه، فتقوم الساعة على الكفرة -والعياذ بالله- الذين لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً، يتسافدون ويتناكحون في الطرقات كالحمر والعياذ بالله، فعليهم تقوم الساعة، ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد) فهم شرار الناس، فنعوذ بالله.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وهذا كله قبل يوم القيامة وبعد الدجال، كما سيأتي بيانه -إن شاء الله تعالى- عند قوله: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ} الآية؛ وهكذا قال هاهنا: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا} قال ابن زيد في قوله: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} قال: هذا أول يوم القيامة.

{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} على أثر ذلك {فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا} وقال آخرون: بل المراد بقوله: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} أي: يوم القيامة يختلط الإنس والجن.

روى ابن جرير عن محمد بن حميد عن يعقوب القمي عن هارون بن عنترة عن شيخ من بني فزارة في قوله: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} قال: إذا ماج الإنس والجن قال إبليس: أنا أعلم لكم علم هذا الأمر، فيظعن إلى المشرق فيجد الملائكة قد بطنوا الأرض، ثم يظعن إلى المغرب فيجد الملائكة قد بطنوا الأرض، فيقول: ما من محيص، ثم يظعن يميناً وشمالاً إلى أقصى الأرض فيجد الملائكة قد بطنوا الأرض، فيقول: ما من محيص، فبينما هو كذلك إذ عرض له طريق كالشراك فأخذ عليه هو وذريته، فبينما هم عليه إذ هجموا على النار، فأخرج الله خازناً من خزان النار، فقال: يا إبليس! ألم تكن لك منزلة عند ربك؟ ألم تكن في الجنان؟ فيقول: ليس هذا يوم عتاب، لو أن الله فرض علي فريضة لعبدته فيها عبادة لم يعبده مثلها أحد من خلقه، فيقول: فإن الله قد فرض عليك فريضة، فيقول: ما هي؟ فيقول: يأمرك أن تدخل النار.

فيتلكأ عليه، فيقول به وبذريته بجناحيه فيقذفهم في النار، فتزفر النار زفرة لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا جثا لركبتيه].

هذا حديث ضعيف؛ إذا فيه الشيخ المبهم.

ومن أسلم من الجن لا يسمى شيطاناً، والشيطان هو من بقي على كفره، فإبليس وذريته الشياطين كلهم في النار، نعوذ بالله، وهكذا لا إشكال فيه، لكن الحديث هذا فيه ضعف.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وهكذا رواه ابن أبي حاتم من حديث يعقوب القمي به، رواه من وجه آخر عن يعقوب عن هارون بن عنترة عن أبيه عن ابن عباس: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا} قال: الجن والإنس يموج بعضهم في بعض].

رواية ابن أبي حاتم ليس فيها مبهم.

قال في الخلاصة: يعقوب بن عبد الله بن مالك بن عامر القمي -بضم القاف- أبو الحسن الأشعري، عن إخوته عبد الرحمن وعمران، وعنه ابن مهدي، وعبيد الله بن موسى، وثقه الطبراني، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال الدارقطني: ليس بالقوي.