[محاجتها وآل عمران عن صاحبهما يوم القيامة]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وروى ابن ماجة من حديث بشير بن المهاجر بعضه، وهذا إسناد حسن على شرط مسلم، فإن بشيراً هذا خرج له مسلم، ووثقه ابن معين، وقال النسائي: ما به بأس.
إلا أن الإمام أحمد قال فيه: هو منكر الحديث، قد اعتبرت أحاديثه فإذا هي تأتي بالعجب.
وقال البخاري: يخالف في بعض حديثه.
وقال أبو حاتم الرازي: يكتب حديثه ولا يحتج به.
وقال ابن عدي: روى ما لا يتابع عليه.
وقال الدارقطني: ليس بالقوي.
قلت: ولكن لبعضه شواهد، فمن ذلك حديث أبي أمامة الباهلي.
قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الملك بن عمرو حدثنا هشام عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلام عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اقرءوا القرآن؛ فإنه شافع لأهله يوم القيامة، اقرءوا الزهراوين -البقرة وآل عمران- فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فرقان طير صواف يحاجان عن أهلهما يوم القيامة.
ثم قال: اقرءوا البقرة؛ فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة)].
المعنى أن عمل الإنسان بقراءة البقرة وآل عمران يأتي كأنه غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف، ومعروف أن البقرة وآل عمران كلام الله، كما جاء في الحديث الآخر أن الإنسان إذا وضع في قبره جاءه رجل حسن الوجه حسن الصورة طيب الريح، فيقول: من أنت؟ فيقول: أنا عملك الصالح.
والفاجر يأتيه رجل قبيح الوجه منتن الريح، فيقول: من أنت فوجهك الوجه يجيء بالشر؟ فيقول: أنا عملك الخبيث.
وكذلك عمل الإنسان بالبقرة وآل عمران يأتي فيظل صاحبه يوم القيامة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقد رواه مسلم في الصلاة من حديث معاوية بن سلام عن أخيه زيد بن سلام عن جده أبي سلام ممطور الحبشي عن أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي به.
الزهراوان: المنيرتان.
والغياية: ما أظلك من فوقك.
والفرق: القطعة من الشيء.
والصواف: المصطفة المتضامة.
والبطلة: السحرة.
ومعنى (لا تستطيعها) أي لا يمكنهم حفظها، وقيل: لا يستطيعون النفوذ في قارئها.
والله أعلم].
أي أن قوله: (لا تستطيعها البطلة) معناه: أن السحرة لا يستطيعون حفظها؛ لأن القرآن منافٍ لما هم عليه من الشرك، فالقرآن توحيد والسحرة مشركون، فلا يستطيعون حفظها وهم على شركهم، أو لا يستطيعون العمل في صاحبها، فسحرهم فيه لا ينفذ.
وقد يقال: وجد من النصارى من حفظوا القرآن وهم على كفرهم!
و
الجواب
أنه ليس المراد -والله أعلم- مجرد الحفظ، بل المراد الحفظ الذي يكون معه العمل، كما جاء عن الصحابة أنهم كانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا معانيها ويعملوا بها، وهذا يسمى حفظاً.
وهذا مثل ما جاء في الحديث: (إن لله تسعة وتسعين اسماً -مائة إلا واحداً- من أحصاها دخل الجنة) فليس المراد حفظها بالعد فقط، إنما الحفظ الملازم للعمل والذي يتبعه العمل، فالسحرة والكفرة لا يفيدهم حفظ الآيات إذا حفظوها ولم يعملوا بها.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن ذلك حديث النواس بن سمعان، قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن عبد ربه حدثنا الوليد بن مسلم عن محمد بن مهاجر عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي عن جبير بن نفير قال: سمعت النواس بن سمعان الكلابي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به تقدمهم سورة البقرة وآل عمران، وضرب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أمثال ما نسيتهن بعد، قال: كأنهما غمامتان أو ظلتان سوداوان بينهما شرق، أو كأنها فرقان من طير صواف يحاجان عن صاحبهما).
ورواه مسلم عن إسحاق بن منصور عن يزيد بن عبد ربه به، والترمذي من حديث الوليد بن عبد الرحمن الجرشي به، وقال: حسن غريب].
قوله صلى الله عليه وسلم: [(تقدمهم سورة البقرة)].
يحتمل أن يكون المعنى: تكون في مقدمهم، مثل قوله تعالى: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [هود:٩٨] أو من: قدم يقدم إذا ورد، كقولهم: فلان قدم البلد.
وعلى المعنى الأول تكونان أولهم ثم يتبعهما أصحابهما.
وقوله: [(بينهما شرق)] أي: بينهما نور.