للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بيان الشجرة التي نهي عنها آدم وحواء]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأما قوله: {وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} [البقرة:٣٥] فهو اختبار من الله تعالى وامتحان لآدم، وقد اختلف في هذه الشجرة ما هي، فقال السدي عمن حدثه عن ابن عباس: الشجرة التي نهي عنها آدم عليه السلام هي الكرم، وكذا قال سعيد بن جبير والسدي والشعبي وجعدة بن هبيرة ومحمد بن قيس، وقال السدي أيضاً في خبر ذكره عن أبي مالك، وعن أبي صالح عن ابن عباس، وعن مرة عن ابن مسعود، وعن ناس من الصحابة {وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} [البقرة:٣٥]: هي الكرم، وتزعم يهود أنها الحنطة.

وقال ابن جرير وابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن اسماعيل بن سمرة الأحمسي حدثنا أبو يحيى الحماني، حدثنا النضر أبو عمر الخراز عن عكرمة عن ابن عباس قال: الشجرة التي نهي عنها آدم عليه السلام هي السنبلة.

وقال عبد الرزاق: أنبأنا ابن عيينة وابن المبارك عن الحسن بن عمارة عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: هي السنبلة.

وقال محمد بن إسحاق عن رجل من أهل العلم عن حجاج عن مجاهد عن ابن عباس قال: هي البر.

وقال ابن جرير: وحدثني المثنى بن إبراهيم حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا القاسم حدثني رجل من بني تميم: أن ابن عباس كتب إلى أبي الجلد يسأله عن الشجرة التي أكل منها آدم والشجرة التي تاب عندها آدم، فكتب إليه أبو الجلد سألتني عن الشجرة التي نهي عنها آدم وهي السنبلة، وسألتني عن الشجرة التي تاب عندها آدم وهي الزيتونة.

وكذلك فسره الحسن البصري ووهب بن منبه وعطية العوفي وأبو مالك ومحارب بن دثار وعبد الرحمن بن أبي ليلى.

وقال محمد بن إسحاق عن بعض أهل اليمن عن وهب بن منبه أنه كان يقول: هي البر، ولكن الحبة منها في الجنة ككلى البقر، وألين من الزبد، وأحلى من العسل.

وقال سفيان الثوري عن حصين عن أبي مالك {وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} [البقرة:٣٥] قال: النخلة.

وقال ابن جرير عن مجاهد {وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} [البقرة:٣٥] قال: التينة.

وبه قال قتادة وابن جريج.

وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية: كانت الشجرة من أكل منها أحدث، ولا ينبغي أن يكون في الجنة حدث.

وقال عبد الرزاق: حدثنا عمر بن عبد الرحمن بن مهران سمعت وهب بن منبه يقول: لما أسكن الله آدم وزوجته الجنة ونهاه عن أكل الشجرة، وكانت شجرة غصونها متشعب بعضها من بعض، وكان لها ثمر تأكله الملائكة لخلدهم، وهي الشجرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته.

فهذه أقوال ستة في تفسير هذه الشجرة].

وكل هذه الأقوال لا دليل عليها، بل كلها تخمين, والله أعلم بهذه الشجرة، وليس في تعيينها فائدة, إذ لو كان في تعيينها فائدة لعينها الله سبحانه وتعالى, ولكن الله سبحانه وتعالى نهاهم عن الشجرة المعينة التي عينها لهما، فأكلا منها، وسواء كانت هي التينة، أو النخلة، أو البر أو غيرها, فليس هناك دليل صحيح يثبت هذه الشجرة، ولا يترتب على ذكرها فائدة, ولا على جهلها مضرة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال الإمام أبو جعفر بن جرير رحمه الله: والصواب في ذلك أن يقال: إن الله عز وجل ثناؤه نهى آدم وزوجته عن أكل شجرة بعينها من أشجار الجنة دون سائر أشجارها، فأكلا منها، ولا علم عندنا بأي شجرة كانت على التعيين؛ لأن الله لم يضع لعباده دليلاً على ذلك في القرآن ولا من السنة الصحيحة، وقد قيل: كانت شجرة البر، وقيل: كانت شجرة العنب، وقيل: كانت شجرة التين، وجائز أن تكون واحدة منها، وذلك علم إذا علم لم ينفع العالم به علمه، وإن جهله جاهل لم يضره جهله به، والله أعلم.

وكذلك رجح الإبهام الرازي في تفسيره وغيره، وهو الصواب.

].

وهذا كلام جميل وهو الحق، حيث إن شجرة معينة عينها الله لهما ولم يخبرنا بها, وإذا علمنا فلا ينفعنا هذا, وإذا جهلنا فلا يضرنا, لكن العبرة في أن الله نهاهم عن الشجرة فعصيا وأكلا منها, فأخرج من الجنة، والعبرة أيضاً: أن من عصى الله تركت المعاصي عليه آثارها, فالمعاصي لها شؤم وآثار, والله تعالى أخرج آدم وحواء بالمعصية من الجنة, فالمعاصي والذنوب لها آثار, ولها شؤم, هذه هي العبرة, أما أن تكون شجرة التين، أو النخلة، أو العنب، فمعرفة ذلك لا ينفع، والجهل به لا يضر.