الفسق ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: فسق أكبر: وهو فسق الكفر، كما في هذه الآية فإنه يشمل الكفار، والحرورية وهم الخوارج، وسموا بالحرورية لأنهم سكنوا في بلدة تسمى: حروراء في العراق، فنسبوا إليها، والمعنى ما ثبت عن سعد بن أبي وقاص أن الخوارج يشملهم هذا الوصف، وإلا فإنهم ما وجدوا إلا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي زمن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وهكذا فأهل الإيمان يزدادون إيماناً بما أنزل الله من الآيات والحجج، وبما ضرب الله من الأمثال، أما الفاسقون والخارجون عن طاعة الله فإنهم يزدادون ضلالاً والعياذ بالله، كما قال الله تعالى عن اليهود والنصارى:{وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا}[المائدة:٦٤] فما أنزل الله من الهدى والوحي يزداد به أهل الإيمان إيماناً، وأما أهل الكفر فيزدادون به كفراً إلى كفرهم، فالقرآن الذي هو هدى وشفاء ونور لا يزداد به الكفرة إلا كفراً وطغياناً، قال سبحانه:{وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ}[التوبة:١٢٤ - ١٢٥] نسأل الله السلامة والعافية، ونسأله أن يهدي قلوبنا، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والفاسق في اللغة: هو الخارج عن الطاعة أيضًا.
وتقول العرب: فسقت الرطبة: إذا خرجت من قشرتها؛ ولهذا يقال للفأرة: فويسقة؛ لخروجها عن جحرها للفساد.
وثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور)، فالفاسق يشمل الكافر والعاصي].
وسميت هذه فواسق لأنها خرجت على غيرها وعن طبيعتها بالأذى، فهي مؤذية.
ومادة الفاء والسين والقاف تدل على الخروج، وفسقت الرطبة: خرجت من قشرتها، وسميت الفارة فويسقة: لأنها خرجت من جحرها وخرجت عن طبيعتها وذلك بالأذى فتفسد وتخرب، وكذلك جميع هذه الخمس كلها فواسق، ولهذا جاز قتلها في الحل والحرم، فالغراب فاسق لأنه يأكل سنبل الزرع، وينقض الدبرة التي على ظهر البعير، فكلما بدأ الجرح يندمل نقره فعاد من جديد، وهذا من فسقه، والعقرب معروف أنها تلدغ، والحية كذلك، والكلب العقور يعقر الناس، وكذلك الحدأة فإنها تخطف الأشياء وتأخذ ما تراه من الأحمر كاللحم وغيره، فكل هذه فواسق، وسميت فواسق لخروجها عن غيرها بالأذى، وكل ما هو فاسق يلحق بها، مثل السام ويسمى: ظافور فهو كذلك فاسق لما فيه من مادة السم وغيرها، فيقتل أيضاً، وكل مؤذٍ فاسق، فليحق به جميع المؤذيات من الفواسق.
قال المؤلف رحمه الله تعالى:[ولكن فسق الكافر أشد وأفحش].
لأن فسق الكافر فسوق كفر، والقسم الثاني: فسق أصغر وهو فسق المعصية: فالعاصي فسقه فسق معاصي مع وصف الإيمان؛ لخروجه عن الطاعة وارتكابه لبعض المعاصي، أما الكافر ففسقه كامل، أي: فسق كفر والعياذ بالله، وهو أشد وأفحش.