للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بيان معنى قوله تعالى: (وقولوا حطة) وذكر أقوال السلف في الآية]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقوله تعالى: {وَقُولُوا حِطَّةٌ} قال الثوري عن الأعمش عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((وَقُولُوا حِطَّةٌ) قال: مغفرة واستغفروا، وروي عن عطاء والحسن وقتادة والربيع بن أنس نحوه.

وقال الضحاك عن ابن عباس: ((وَقُولُوا حِطَّةٌ)) قال: قولوا هذا الأمر حق كما قيل لكم، وقال عكرمة: قولوا: لا إله إلا الله، وقال الأوزاعي: كتب ابن عباس إلى رجل قد سماه فسأله عن قوله تعالى: ((وَقُولُوا حِطَّةٌ)) فكتب إليه أن أقروا بالذنب، وقال الحسن وقتادة أي: احطط عنا خطايانا.

{نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة:٥٨] وقال: هذا جواب الأمر، أي: إذا فعلتم ما أمرناكم غفرنا لكم الخطيئات وضاعفنا لكم الحسنات.

وحاصل الأمر أنهم أمروا أن يخضعوا لله تعالى عند الفتح بالفعل والقول، وأن يعترفوا بذنوبهم ويستغفروا منها، والشكر على النعمة عندها، والمبادرة إلى ذلك من المحبوب عند الله تعالى، كما قال تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر:١ - ٣].

فسره بعض الصحابة بكثرة الذكر والاستغفار عند الفتح والنصر، وفسره ابن عباس بأنه نعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أجله فيها، وأقره على ذلك عمر رضي الله عنه، ولا منافاة بين أن يكون قد أمر بذلك عند ذلك ونعى إليه روحه الكريمة أيضاً].

هو كما قال، فالأمران مراد: نعي إليه روحه الكريمة وأخبر بقرب أجله عليه السلام، وهي أمر بكثرة الذكر والاستغفار عند تقدم السن.

والمقصود من هذه الآية تحذير هذه الأمة من أن تسلك مسلك بني إسرائيل فتعصي نبيها عليه الصلاة والسلام بالقول أو بالفعل؛ فيصيبها ما أصاب بني إسرائيل من الرجس والعذاب، فلذا قال سبحانه: {فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ} [البقرة:٥٩] وليس كما قال بعض المفسرين: مضى القوم ولم يعن به سواهم، فإن كانوا قد مضوا، فالمقصود نحن الآن، فهو تحذير لنا من أن نسلك مسلكهم فيصيبنا ما أصابهم.