قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وسياق الآية يقتضي أن حواء خلقت قبل دخول آدم الجنة، وقد صرح بذلك محمد بن إسحاق حيث قال: لما فرغ الله من معاتبة إبليس أقبل على آدم وقد علمه الأسماء كلها، فقال:{يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ}[البقرة:٣٣] إلى قوله: {إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}[البقرة:٣٢]، قال: ثم ألقيت السِّنَة على آدم فيما بلغنا عن أهل الكتاب من أهل التوراة وغيرهم من أهل العلم عن ابن عباس وغيره، ثم أخذ ضلعاً من أضلاعه من شقه الأيسر ولأم مكانه لحماً وآدم نائم لم يهب من نومه، حتى خلق الله من ضلعه تلك زوجته حواء، فسواها امرأة ليسكن إليها].
البلاغ عن ابن عباس منقطع، وهذه القصة من أخبار بني إسرائيل، والله أعلم.
فنحن نعلم أن الله تعالى خلق حواء من آدم، كما قال الله تعالى:{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا}[الأعراف:١٨٩]، وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا}[النساء:١]، وأما هذا التفصيل من أنه وقع عليه النعاس وأنه لم يهب من نومه حتى خلق الله له حواء، فهو من أخبار بني إسرائيل، والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فلما كشف عنه السنة وهب من نومه رآها إلى جنبه، فقال -فيما يزعمون والله أعلم-: لحمي ودمي وزوجتي فسكن إليها، فلما زوجه الله وجعل له سكناً من نفسه قال له قبلاً:{يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ}[البقرة:٣٥]].
لأن من يفعل المعاصي فهو ظالم لنفسه؛ فالمعاصي كلها ظلم, وأعظمها الشرك بالله عز وجل، ثم ظلم العباد فيما بينهم في الدماء أو الأموال أو الأعراض، ثم ظلم الإنسان لنفسه فيما بينه وبين الله, والأكل من الشجرة ظلم من آدم وحواء لأنفسهما فيما بينهما وبين الله، ولهذا قال تعالى:{فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ}[البقرة:٣٥]؛ لأن من خالف أمر الله فقد تعدى وظلم، والله نهاهما عن أكل الشجرة، وقال لهما:{وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا}[البقرة:٣٥] إن أكلتم منها {مِنَ الظَّالِمِينَ}[البقرة:٣٥] لتعديكما ما حده الله.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويقال: إن خلق حواء كان بعد دخول الجنة، كما قال السدي في خبر ذكره عن أبي مالك، وعن أبو صالح عن ابن عباس، وعن مرة عن ابن مسعود، وعن ناس من الصحابة: أخرج إبليس من الجنة وأسكن آدم الجنة، فكان يمشي فيها وحيشاً ليس له زوج يسكن إليه، فنام نومة فاستيقظ وعند رأسه امرأة قاعدة خلقها الله من ضلعه، فسألها: ما أنت؟ قالت: امرأة.
قال: ولم خلقت؟ قالت: لتسكن إلي.
قالت له الملائكة ينظرون ما بلغ من علمه: ما اسمها يا آدم؟ قال: حواء، قالوا: ولم سميت حواء؟ قال: إنها خلقت من شيء حي.