[سحر النميمة والبيان]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [النوع الثامن من السحر: السعي بالنميمة والتقريب].
سميت النميمة سحراً لما لها من تأثير في الخفاء، فأصل السحر في اللغة: عبارة عما خفي ولطف سببه، والنميمة لها تأثير في الخفاء، وهي داخلة في السحر من جهة اللغة؛ لأن السحر عبارة عما خفي ولطف سببه، ومنه البيان والفصاحة والبلاغة، فإنها تؤثر في الناس حتى تقنعهم، فصاحبها قد يقلب الحق باطلاً، وقد يقلب الباطل حقاً بسبب فصاحته وبلاغته وقوة تأثيره، وقدرة تصرفه بأنواع الكلام، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إن من البيان لسحراً).
وسمي السَّحَر سحراً لأنه يقع خفياً آخر الليل، وهذا من جهة اللغة، فيدخل في السحر لغةً: النميمة والبيان.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [النوع الثامن من السحر: السعي بالنميمة والتقريب من وجوه خفيفة لطيفة؛ وذلك شائع في الناس].
لعل الصواب (خفية)، فهي قد تخفى، فإنه يأتي إلى هذا ويكلمه ويقول: إن هذا يتكلم فيك، ثم يأتي إلى الآخر ويكلمه خفية، فالمقام يقتضي أن المراد أنها (خفية) لا (خفيفة)؛ لأن المقام ليس في ذكر الخفة والثقل، وإنما المراد ذكر الخفاء، ويؤيده قوله: لطيفة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قلت: النميمة على قسمين: تارة تكون على وجه التحريش بين الناس، وتفريق قلوب المؤمنين، فهذا حرام متفق عليه، فأما إن كانت على وجه الإصلاح بين الناس وائتلاف كلمة المسلمين كما جاء في الحديث: (ليس بالكذاب من ينم خيراً)، أو تكون على وجه التخذيل والتفريق بين جموع الكفرة؛ فهذا أمر مطلوب، كما جاء في الحديث: (الحرب خدعة)، وكما فعل نعيم بن مسعود في تفريقه بين كلمة الأحزاب وبني قريظة، جاء إلى هؤلاء فينمى إليهم عن هؤلاء كلاماً، ونقل من هؤلاء إلى أولئك شيئاً آخر، ثم لأم بين ذلك فتناكرت النفوس وافترقت، وإنما يحذو على مثل هذا الذكاء ذو البصيرة النافذة، وبالله المستعان].
تسمية هذا النوع نميمة فيه نظر، إلا من جهة أنه عمل خيراً في الخفاء، ويستدلون بالحديث، والمعروف أن النوع الأول هو الذي يسمى نميمة، وأما هذا النوع فهو إصلاح وخير.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم قال الرازي: فهذه جملة الكلام في أقسام السحر وشرح أنواعه وأصنافه، قلت: وإنما أدخل كثيراً من هذه الأنواع المذكورة في فن السحر للطافة مداركها؛ لأن السحر في اللغة: عبارة عما لطف وخفي سببه، ولهذا جاء في الحديث: (إن من البيان لسحراً)، وسمي السَّحور لكونه يقع خفياً آخر الليل].
سمي السحور -وهو أكلة السحر- لأنه يؤكل في آخر الليل.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والسحر: الرئة]، ذكر في القاموس أنها ساكنة، ثم قال: وهي بالتحريك والضم.
[وهي محل الغذاء، وسميت بذلك لخفائها ولطف مجاريها إلى أجزاء البدن وغضونه].
قوله: [محل الغذاء] فيه نظر، وإنما هي لتصفية الدم.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كما قال أبو جهل يوم بدر لـ عتبة: انتفخ سحره، أي: انتفخت رئته من الخوف، وقالت عائشة رضي الله عنها: (توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحري ونحري)].
أي: متكئاً على صدرها.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال تعالى: {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ} [الأعراف:١١٦] أي: أخفوا عنهم عملهم، والله أعلم].