للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وما أعجلك عن قومك يا موسى)]

قال الله تعالى: {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هُمْ أُوْلاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى * قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ} [طه:٨٣ - ٨٥].

قال المؤلف رحمه الله: [لما سار موسى عليه السلام ببني إسرائيل بعد هلاك فرعون، {فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ * إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف:١٣٨ - ١٣٩] وواعده ربه ثلاثين ليلة، ثم أتبعها عشراً، فتمت أربعين ليلة، أي: يصومها ليلاً ونهاراً، وقد تقدم في حديث الفتون بيان ذلك، فسارع موسى عليه الصلاة والسلام مبادراً إلى الطور، واستخلف على بني إسرائيل أخاه هارون، ولهذا قال تعالى: {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هُمْ أُوْلاءِ عَلَى أَثَرِي} [طه:٨٣ - ٨٤] أي: قادمون ينزلون قريباً من الطور].

كان نبينا عليه الصلاة والسلام يواصل الليل مع النهار صوماً، وهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم، فكان يواصل وينهى أصحابه عن ذلك فقالوا له: يا رسول الله! إنك تواصل، فقال: (إني لست كهيئتكم؛ إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني).

وقد اختلف العلماء في معنى قوله: (أبيت يطعمني ربي ويسقيني).

فقيل: إنه يؤتى بطعام وشراب من الجنة، ولكن هذا القول مرجوح، والصواب هو القول الثاني: أن الله يسر له من مواد أنسه، ونفحات قدسه، ولطائف معارفه ما يغنيه عن الطعام والشراب، ولأنه لو كان يؤتى بطعام ويسقى من الجنة ما كان مواصلاً، فهذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام، فلا يستبعد أن يكون موسى أيضاً يصوم العشرة الأيام ليلاً ونهاراً.

قال المؤلف رحه الله: [{وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه:٨٤] أي: لتزداد عني رضا.

{قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ} [طه:٨٥]، أخبر تعالى نبيه موسى صلى الله عليه وسلم بما كان بعده من الحدث في بني إسرائيل وعبادتهم العجل الذي عمله لهم ذلك السامري.

وفي الكتب الإسرائيلية أنه كان اسمه: هارون، وكتب الله تعالى له في هذه المدة الألواح المتضمنة للتوراة، كما قال تعالى: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ} [الأعراف:١٤٥] أي: عاقبة الخارجين عن طاعة المخالفين لأمري].

وما دامت في كتب الإسرائيليات فهذا لا يعنينا، فإن الله قد أخبر أنه السامري].