[تفسير قوله تعالى: (وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة)]
قال تعالى: {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ * ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [البقرة:٥١ - ٥٣]].
هذه من النعم التي يعددها الله تعالى عليهم، يعني واذكروا إذ واعدتم موسى أربعين ليلة، ثم عبدتم العجل، ثم الله عفا الله عنكم وتاب عليكم، مع أنهم وقعوا في الشرك.
قال المصنف رحمه الله: [يقول تعالى: واذكروا نعمتي عليكم في عفوي عنكم لما عبدتم العجل بعد ذهاب موسى لميقات ربه عند انقضاء أمد المواعدة وكانت أربعين يوما، وهي المذكورة في الأعراف في قوله تعالى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ} [الأعراف:١٤٢]، قيل إنها: ذو القعدة بكماله وعشر من ذي الحجة وكان ذلك بعد خلاصهم من فرعون وإنجائهم من البحر وقوله تعالى: {وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} [البقرة:٥٣] يعني: التوراة {وَالْفُرْقَانَ} [البقرة:٥٣] وهو: ما يفرق بين الحق والباطل، والهدى والضلالة (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)].
أما بالنسبة لتحديد السنة التي أنزلت فيها التوراة فهذا يحتاج إلى دليل، والمهم أنه بعد هلاك فرعون وجنوده وإنجاء بني إسرائيل أنزل الله التوراة على موسى، كما قال: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ} [القصص:٤٣].
قال المؤلف رحمه الله: [وكان ذلك أيضا بعد خروجهم من البحر كما دل عليه سياق الكلام في سورة الأعراف ولقوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [القصص:٤٣]، وقيل: الواو زائدة والمعنى ولقد آتينا موسى الكتاب الفرقان وهذا غريب].
فكلمة الفرقان هي وصف للكتاب -إذا قيل: إن الواو زائدة- أي: آتى موسى الكتاب الفرقان الذي يفرق بين الحق والباطل.
قال المؤلف رحمه الله: [وقيل عطف عليه وإن كان المعنى واحداً، كما في قول الشاعر: وقدمت الأديم لراقشيه فألفى قولها كذبا وميناً].
لراهشيه بالهاء وهذا هو المعروف.
الشاهد هو قوله: (كذباً وميناً)، فعطف مين على الكذب، والمين هو: الكذب والكذب هو: المين، فيريد أن يستشهد به في عطف الفرقان على الكتاب وهما شيء واحد، وهذا من باب اختلاف اللفظ والمعنى واحد، فإذا اختلف اللفظ عطف أحدهما على الآخر وإن كان المعنى واحداً، كما تقول: قام ووقف، جلس وقعد، والجلوس هو القعود، والقعود هو الجلوس، فعطف أحدهما على الآخر تأكيداً.
قال المؤلف رحمه الله: [وقال الآخر: ألا حبذا هند وأرض بها هند وهند أتى من دونها النأي والبعد] الشاهد هو: (النأي والبعد)، فعطف البعد على النأي وهما بمعنى واحد، فالنأي هو البعد والبعد هو النأي، كذلك الكتاب هو الفرقان والفرقان هو الكتاب.
قال المؤلف رحمه الله: [فالكذب هو المين، والنأي هو البعد، وقال عنترة: حييت من طلل تقادم عهده أقوى وأقفر بعد أم الهيثم فعطف الإقفار على الإقواء وهو هو].