قال المؤلف رحمه الله تعالى:[وعن أبي حنيفة أن بعض الزنادقة سألوه عن وجود الباري تعالى فقال لهم: دعوني؛ فإني مفكر في أمر قد أخبرت عنه، ذكروا لي أن سفينة في البحر موقرة فيها أنواع من المتاجر وليس بها أحد يحرسها ولا يسوقها، وهي مع ذلك تذهب وتجيء وتسير بنفسها، وتخترق الأمواج العظام حتى تتخلص منها، وتسير حيث شاءت بنفسها من غير أن يسوقها أحد، فقالوا: هذا شيء لا يقوله عاقل، فقال: ويحكم! هذه الموجودات بما فيها من العالم العلوي والسفلي، وما اشتملت عليه من الأشياء المحكمة ليس لها صانع! فبهت القوم ورجعوا إلى الحق، وأسلموا على يديه].
هذه القصة مشهورة عن أبي حنيفة ذكرها شارح الطحاوية وغيره، وأنه قال لهم: أخبروني عن سفينة في نهر دجلة تمشي وحدها من دون ملاح، وتقف وتفرغ, وتحمل البضاعة والأمتعة، ثم ترجع إلى الجهة الأخرى وتفرغ، وهكذا، فقالوا: هذا لا يقوله عاقل، فقال لهم: كذلك العالم العلوي والسفلي هل يدبر نفسه؟! والسماء من الذي أمسكها؟ وهل يمكن أن تقف من دون خالق؟! لماذا لا تسقط؟! والأرض من الذي أرساها؟! والبحار من الذي أوجدها؟ والنجوم من الذي أمسكها حتى لا تسقط؟! وهل العالم العلوي والسفلي يمشي من دون مدبر؟! {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ}[فاطر:٤١] فبهتوا وانقطعوا وانتهت المناظرة، وهذه مسألة مشهورة أيضاً عن غيره، قيل: إنها مذكورة عن غير الإمام أبي حنيفة.