للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (قال فما خطبك يا سامري)]

قال الله تعالى: [{قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ * قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي * قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا} [طه:٩٥ - ٩٧].

قال المؤلف رحمه الله: [يقول موسى عليه السلام للسامري: ما حملك على ما صنعت؟ وما الذي عرض لك حتى فعلت ما فعلت؟ قال محمد بن إسحاق: عن حكيم بن جبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان السامري رجلاً من أهل باجرما].

وباجرما قرية من أعمال البليخ قرب الرقة من أرض الجزيرة من جهة العراق.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكان من قوم يعبدون البقر، وكان حب عبادة البقر في نفسه، وكان قد أظهر الإسلام مع بني إسرائيل، وكان اسمه موسى بن ظفر.

وفي رواية عن ابن عباس: أنه كان من كرمان، وقال قتادة: كان من قرية سامراء].

والكل في العراق.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [((قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ)) أي: رأيت جبريل حين جاء لهلاك فرعون، ((فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ)) أي: من أثر فرسه، هذا هو المشهور عند كثير من المفسرين أو أكثرهم.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عمار بن الحارث أخبرنا عبيد الله بن موسى أخبرنا إسرائيل عن السدي عن أبي بن عمارة عن علي رضي الله عنه قال: إن جبريل عليه السلام لما نزل فصعد بموسى عليه السلام إلى السماء بصر به السامري من بين الناس، فقبض قبضة من أثر الفرس، قال: وحمل جبريل موسى عليهما السلام خلفه، حتى إذا دنا من باب السماء صعد وكتب الله الألواح، وهو يسمع صرير الأقلام في الألواح، فلما أخبره: أن قومه قد فتنوا من بعده، قال: نزل موسى فأخذ العجل فأحرقه غريب].

المعراج خاص بنبينا صلى الله عليه وسلم، وما نعلم أن أحداً عرج به إلى السماء إلا عيسى عليه السلام، فقد رفع إلى السماء لما أراد اليهود قتله، وسينزل في آخر الزمان، وعلى كل حال فالحديث وإن كان رجاله ثقات فلا شك أنه غريب ومنكر وشاذ.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال مجاهد: ((فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ)) قال: من تحت حافر فرس جبريل، قال: والقبضة ملء الكف، والقبضة بأطراف الأصابع، قال مجاهد: نبذ السامري، أي: ألقى ما كان في يده على حلية بني إسرائيل، فانسبك عجلاً جسداً له خوار، حفيف الريح فيه فهو خواره].

أخذ قبضة من آثار حافر الفرس وألقاها على الحلي، وهو الذهب الذي أخذوه من القبط، فبعد هلاك فرعون جمعوا حلياً كثيراً فانسبك عجلاً، ولعله تكلم بكلمات كانت سبباً بإذن الله وقدره.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن يحيى أخبرنا علي بن المديني حدثنا يزيد بن زريع حدثنا عمارة حدثنا عكرمة: أن السامري رأى الرسول فألقي في روعه: أنك إن أخذت].

الرُوع هو القلب، أما الروع بفتح الراء فهو الخوف، ومنه قوله تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ} [هود:٧٤] والرُوع هو القلب، ومنه قول الحديث: (إن روح القدس نفث في روعي: أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها).

والمقصود بالرسول: جبريل عليه السلام.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فألقي في روعه: أنك إن أخذت من أثر هذا الفرس قبضة فألقيتها في شيء فقلت له: كن فكان، فقبض قبضة من أثر الرسول، فيبست أصابعه على القبضة، فلما ذهب موسى للميقات، وكان بنو إسرائيل قد استعاروا حلي آل فرعون، فقال لهم السامري: إن ما أصابكم من أجل هذا الحلي فاجمعوه، فجمعوه، فأوقدوا عليه فذاب، فرآه السامري، فألقي في روعه: أنك لو قذفت هذه القبضة في هذه فقلت: كن فيكون، فقذف القبضة وقال: كن فكان عجلاً جسداً له خوار، فقال: ((هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى) ولهذا قال: ((فَنَبَذْتُهَا)) أي: ألقيتها مع من ألقى].

حوكي في قلبه: أنه إذا أخذ قبضة من حافر الفرس ويبست، والحلي الذهب لما جمعوه في حفيرة فألقوه، ألقى القبضة عليه وقال: كن عجلاً، فكان بإذن الله وقدره، نعم، فقال لهم: هذا إلهكم، فعبدوه من دون الله، نعوذ بالله.

وهذا فيه ابتلاء وامتحان، فكيف يشاهدون حلياً جاءوا به من ديارهم من القبط وهو حلي يعرفونه، ثم يلقي عليه السامري قبضة ويصير عجل له خوار، فيعبدونه من دون الله، كيف يخفى عليهم؟! قال المؤلف رحمه الله تعالى: [((وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي)) أي: حسنته وأعجبها إذ ذاك.

{قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ} [طه:٩٧] أي: كما أخذت ومسست ما لم يكن لك أخذه ومسه من أثر الرسول فعقوبتك في الدنيا (أن تقول لا مساس) أي: لا تماس الناس ولا يمسونك، ((وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا)) أي: يوم القيامة، {لَنْ تُخْلَفَهُ} [طه:٩٧] أي: لا محيد لك عنه].

وهذه عقوبة عاجلة من جنس عمله، فكما أنه مس شيئاً وأخذ ما لا يحق له أخذه صارت عقوبته في الدنيا: لا مساس، فلا تمسوني ولا أمسكم، وعقوبة الآخرة أشد، ولهذا قال: {وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ} [طه:٩٧] أي: في الآخرة؛ لأنه دعا إلى الشرك والعياذ بالله، ودعا إلى عبادة العجل.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال قتادة: ((أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ)) قال: عقوبة لهم، وبقاياهم اليوم يقولون: لا مساس.

وقوله: ((وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ)) قال الحسن وقتادة وأبو نهيك: لن تغيب عنه.

وقوله: ((وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ)) أي: معبودك، ((الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا)) أي: أقمت على عبادته، يعني: العجل.

((لَنُحَرِّقَنَّهُ)) قال الضحاك عن ابن عباس والسدي: سحله بالمبارد وألقاه على النار].

ومعنى سحله أي: حكه وقشره وبرده ثم ألقاه في اليم: وهو البحر، وموسى لديه قوة عليه الصلاة والسلام، فبنو إسرائيل استضعفوا هارون، ولم يسمعوا كلامه، فلما جاء موسى عليه السلام كسر العجل، وسحله وألقاه في البحر، وعوقب السامري في الدنيا وفي الآخرة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال قتادة: استحال العجل من الذهب لحماً ودماً فحرقه بالنار ثم ألقى رماده في البحر، ولهذا قال: (ثم لننسفنه في اليم نسفاً)].

واستحال العجل، يعني: تحول العجل المصنوع من الذهب إلى لحم ودم، ولا شك في أنه حرقه، ثم ألقى رماده في البحر، وأما كونه تحول إلى لحم ودم فالله أعلم.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي قال: حدثنا عبد الله بن رجاء قال: أنبأنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمارة بن عبد الله وأبي عبد الرحمن عن علي رضي الله عنه قال: إن موسى لما تعجل إلى ربه عمد السامري فجمع ما قدر عليه من حلي نساء بني إسرائيل، ثم صوره عجلاً، قال: فعمد موسى عليه السلام إلى العجل، فوضع عليه المبارد فبرده بها وهو على شط نهر، فلم يشرب أحد من ذلك الماء ممن كان يعبد العجل إلا اصفر وجهه مثل الذهب، فقالوا لموسى: ما توبتنا؟ قال: يقتل بعضكم بعضاً، وهكذا قال السدي].

كما قال الله في آية البقرة: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ} [البقرة:٥٤].

وقد سبق قراءة هذه الآية من سورة البقرة، وأنه جاءتهم ظلمة وكانت توبتهم بأن يأخذوا السيوف والخناجر فيقتل بعضهم بعضاً في الظلمة، حتى انجلى القتل عن آلاف مؤلفة، فكانت هذه توبتهم، حتى ناشد موسى ربه، وقال: رب فنيت بنو إسرائيل، نسأل الله السلامة والعافية.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقد تقدم في تفسير سورة البقرة في حديث الفتون بسط ذلك.

وقوله تعالى: {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} [طه:٩٨] يقول لهم موسى عليه السلام: ليس هذا إلهكم، إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو، ولا تنبغي العبادة إلا له، فإن كل شيء فقير إليه عبد له].

لا إله إلا هو كلمة التوحيد، وتعني: لا معبود بحق سواه، والإله هو المعبود، ولا: نافية للجنس، وهي من أخوات (إن) تنصب الاسم وترفع الخبر، وإله اسمها، والخبر محذوف تقديره حق، لا إله حق إلا الله، والمعنى: لا معبود حق إلا الله، فقوله: ((إِنَّمَا إِلَهُكُمُ)) يعني: معبودكم بالحق هو الله، وأما هذا العجل فليس إلهكم، وكيف يخفى هذا على بني إسرائيل؟! فأين ذهبت عقولهم؟! وكيف ضاعت العقول؟! نسأل الله العافية.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله: {وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} [طه:٩٨] نصب على التمييز، أي: هو عالم بكل شيء].

((علماً)) منصوب على التمييز.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [{أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق:١٢