[بيان معنى قوله تعالى: (ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [((وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ))، فكان في علم الله أنه سيكون من تلك الخليقة أنبياء ورسل وقوم صالحون وساكنو الجنة.
قال: وذكر لنا عن ابن عباس أنه كان يقول: إن الله لما أخذ في خلق آدم عليه السلام، قالت الملائكة: ما الله خالق خلقا أكرم عليه منا ولا أعلم منا، فابتلوا بخلق آدم، وكل خلق مبتلى كما ابتليت السماوات والأرض بالطاعة فقال: {اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت:١١] وقوله تعالى: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} [البقرة:٣٠]، قال عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة: قال: التسبيح: التسبيح، والتقديس: الصلاة.
وقال السدي، عن أبي مالك وعن أبي صالح، عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} [البقرة:٣٠]، قال: يقولون: نصلي لك.
وقال مجاهد: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} [البقرة:٣٠]، قال: نعظمك ونكبرك.
وقال الضحاك: التقديس: التطهير.
وقال محمد بن إسحاق: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} [البقرة:٣٠]، قال: لا نعصي ولا نأتي شيئا تكرهه.
وقال ابن جرير: التقديس: هو التعظيم والتطهير، ومنه قولهم: سبوح قدوس، يعني بقولهم: سبوح، تنزيه له، وبقولهم: قدوس، طهارة وتعظيم له].
ومنه بيت المقدس، فالبيت المقدس أي: المطهر، والتقديس: هو التطهير، فكأنهم يقولون: إنا نسبح بأن نذكرك، وننزهك عما لا يليق بك.
ومنه الدعاء لرجل بقولك: قدس الله روحه، فإنه لا بأس فيه، فهو بمعنى طهر الله روحه، وتطهير الروح يكون بالمغفرة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وكذلك قيل للأرض: أرض مقدسة، يعني بذلك المطهرة].
والأرض لا توصف أنها مقدسة إلا بدليل؛ فمثلاً بيت المقدس جاء ما يدل على أنه مقدس.
أما البشر فلا يقال فلان مقدس، لأنه لا يدرى هل غفرت ذنوبه أم لا، وقد يفضي هذا إلى الغلو.
فإن قيل: وهل يجوز أن يقال: فعلان مبارك؟ قلنا: إن كان بمعنى أن فيه البركة فإذا كان له آثار طيبة وآثار حسنة تدل على ذلك فلا بأس، كقول أسيد بن حضير لـ عائشة لما نزلت آية التيمم: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وكذلك قيل للأرض: أرض مقدسة، يعني بذلك المطهرة، فمعنى قول الملائكة إذاً: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ} [البقرة:٣٠] ننزهك ونبرئك مما يضيفه إليك أهل الشرك بك {وَنُقَدِّسُ لَكَ} [البقرة:٣٠] ننسبك إلى ما هو من صفاتك من الطهارة من الأدناس، وما أضاف إليك أهل الكفر بك.
وفي صحيح مسلم عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أي الكلام أفضل؟ قال: ما اصطفى الله لملائكته: سبحان الله وبحمده.
وروى البيهقي عن عبد الرحمن بن قرط أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به سمع تسبيحاًَ في السماوات العلا: سبحان العلي الأعلى سبحانه وتعالى.
{قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:٣٠]، قال قتادة: فكان في علم الله أنه سيكون في تلك الخليقة أنبياء ورسل وقوم صالحون وساكنو الجنة، وسيأتي عن ابن مسعود وابن عباس وغير واحد من الصحابة والتابعين أقوال في حكمة قوله تعالى: {قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:٣٠].
]