قال المؤلف رحمه الله تعالى: [يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم حين طلب منه الكفار وقوع العذاب واستجعلوه به: ((قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ)) أي: إنما أرسلني الله إليكم نذيراً لكم بين يدي عذاب شديد، وليس إلي من حسابكم من شيء، أمركم إلى الله إن شاء عجل لكم العذاب، وإن شاء أخره عنكم، وإن شاء تاب على من يتوب إليه، وإن شاء أضل من كتب عليه الشقاوة، وهو الفعال لما يشاء ويريد ويختار، {لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}[الرعد:٤١]، {إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ * فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أي: آمنت قلوبهم وصدقوا إيمانهم بأعمالهم، ((لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)) أي: مغفرة لما سلف من سيئاتهم، ومجازاة حسنة على القليل من حسناتهم.
قال محمد بن كعب القرظي: إذا سمعت الله يقول: ((وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)) فهو الجنة.
وقوله:((وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ)) قال مجاهد: يثبطون الناس عن متابعة النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا قال عبد الله بن الزبير: مثبطين، وقال ابن عباس:((معاجزين)) مراغمين.
((أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ)) أي: وهي النار الحارة الموجعة الشديد عذابها ونكالها، أجارنا الله منها، قال الله تعالى:{الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ العَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ}[النحل:٨٨]].
يعني: أن الله تعالى يقرن بين الترغيب والترهيب، إذا ذكر المؤمنين ذكر بعدهم الكفار، وإذا ذكر الكفار ذكر بعدهم المؤمنين، وإذا ذكر جزاء المؤمنين ذكر بعده جزاء الكافرين، وإذا ذكر أوصاف المؤمنين ذكر بعده أوصاف الكافرين؛ ليكون المؤمن بين الخوف والرجاء، وليعبد الإنسان ربه بالخوف والرجاء، ويكون بين الترغيب والترهيب، كما قال سبحانه:{نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ}[الحجر:٤٩ - ٥٠].
وقال سبحانه:{إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}[الأعراف:١٦٧].
وفي هذه الآية:{فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}[الحج:٥٠] وهو الجنة.
{وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}[الحج:٥١] هذا ترغيب في المؤمنين وصفاتهم وأعمالهم وثوابهم، وترهيب من الكفار وصفاتهم وأعمالهم.