للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أحوال الناس مع خوارق العادات]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال قتادة في قوله تعالى: {فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة:٣٤] حسد عدو الله إبليس آدم عليه السلام على ما أعطاه الله من الكرامة وقال: أنا ناري، وهذا طيني، وكان بدء الذنوب الكبر، استكبر عدو الله أن يسجد لآدم عليه السلام.

قلت: وقد ثبت في الصحيح: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر) وقد كان في قلب إبليس من الكبر والكفر والعناد ما اقتضى طرده وإبعاده عن جناب الرحمة وحضرة القدس، قال بعض المعربين: {وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة:٣٤] أي: وصار من الكافرين؛ بسبب امتناعه كما قال: {فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ} [هود:٤٣] وقال: {فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} [البقرة:٣٥] وقال الشاعر بتيهاء فقر والمطي كأنها قطا الحزن قد كانت فراخاً بيوضها].

قوله: بتيهاء، يعني: بمكان تيه كصحراء يتيه فيها الإنسان.

والمَطِي يعني: الإبل.

وقوله تعالى: {وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة:٣٤]، يعني: أنه صار من الكافرين المستكبرين، وقول الشاعر: (قد كانت) يعني: قد صارت، وهذا هو وجه الاستشهاد.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أي: قد صارت.

وقال ابن فورك: تقديره وقد كان في علم الله من الكافرين، ورجحه القرطبي وذكر ههنا مسألة فقال: قال علماؤنا: من أظهر الله على يديه ممن ليس بنبي كرامات وخوارق للعادات فليس ذلك دالاً على ولايته خلافاً لبعض الصوفية والرافضة، هذا لفظه، ثم استدل على ما قال بأنا لا نقطع بهذا الذي جرى الخارق على يديه أن يوافي الله بالإيمان، وهو لا يقطع لنفسه بذلك، يعني: والولي الذي يقطع له بذلك الأمر.

قلت: وقد استدل بعضهم على أن الخارق قد يكون على يدي غير الولي، بل قد يكون على يد الفاجر والكافر أيضاً بما ثبت عن ابن صياد أنه قال: هو الدخ، حين خبأ له رسول الله صلى الله عليه وسلم: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان:١٠]].

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ ابن صياد ذات مرة: خبأت لك خبيئة، وابن الصياد رجل من اليهود، كان يظن النبي صلى الله عليه وسلم أنه الدجال، وقال عمر: يا رسول الله! دعني أضرب عنقه, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا بد أن يظهره الله، فإن كان هو فأنا كافيكم، وإن كان غير الدجال فلا خير لك في قتله، ثم بعد ذلك تبين للنبي أنه ليس الدجال الأكبر، بل هو دجال من الدجاجلة, أما الدجال الأكبر فيخرج في آخر الزمان كما بين للنبي صلى الله عليه وسلم.

فالنبي قال له: خبأت لك خبيئة -ينظر ماذا عنده- فقال: هو الدخ.

فقال النبي: اخسأ عدو الله فلن تعدو قدرك.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وبما كان يصدر عنه أنه كان يملأ الطريق إذا غضب حتى ضربه عبد الله بن عمر، وبما ثبتت به الأحاديث عن الدجال بما يكون على يديه من الخوارق الكثيرة من أنه يأمر السماء أن تمطر فتمطر، والأرض أن تنبت فتنبت، وتتبعه كنوز الأرض مثل اليعاسيب، وأنه يقتل ذلك الشاب ثم يحييه إلى غير ذلك من الأمور المهولة].

الخوارق قد يجليها الله على يد الأنبياء وعلى يد الأولياء الصالحين ببركة اتباعهم الأنبياء, وقد يجليها الله على يد المشعوذين والسحرة, وآخرهم الدجال الذي يخرج في آخر الزمان, إذ له خوارق عظيمة، منها: أنه يأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت, ويشق رجلاً نصفين فيستوي قائماً، ولن يسلطه الله على غيره, فكل هذه خوارق، وهي لا تدل على الكرامة أبداً، بل إن كان هذا الشخص مستقيماً على طاعة الله فهذه كرامة حصلت له ببركة اتباعه النبي, كمثل ما حصل لـ أسيد بن خضير وعباد البشر , حيث خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة فأضاء لهما، فلما افترقا أضاء لكل واحد منهم حتى وصل إلى بيته, وكما حصل لـ عمر رضي الله عنه, حيث كان يخطب على المنبر فدعا: يا سارية! الجبل الجبل، وكان جيشه في العرق، وكما حصل للعلاء بن الحضرمي حيث عبر هو وجيشه نهر دجلة والفرات على أقدامه والخيل, لكن بعد أن نظر إليهم وطاف بهم خلف العدو، في الليل ركعاً وسجداً يبكون ويتضرعون, وفي النهار مجاهدين في سبيل الله, أما الشخص الذي تجري على يده الخوارق وهو وهو منحرف فهذه شعوذة، فقد يطير الشخص في الهواء كما يستخدم الشياطين بعض السحرة, كما ذكر ذلك شيخ الإسلام رحمه الله, وتوقفه بعرفة في يوم عرفة، ثم يرجع في نفس اليوم, وظن أنه قد حج وهو لم يحرم ولم يأت بشيء من المناسك, وقد تغوص به الشياطين في البحر، فالشياطين تعمل مثل هذه الأشياء.

فالخوارق إذاً قد تجري على يد الأنبياء، فتكون من المعجزات، وقد تجري على يد الصالحين فتكون من الكرامات، وقد تجري على يد المشعوذين والسحرة فتكون من الشعوذة والحالات الشيطانية, فالعبرة في استقامة الشخص وتمسكه بدينه.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقد قال يونس بن عبد الأعلى الصدفي: قلت للشافعي: كان الليث بن سعد يقول: إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء، ويطير في الهواء، فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة.

فقال الشافعي: قصر الليث رحمه الله، بل إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء ويطير في الهواء فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة.

وقد حكى الرازي وغيره قولين للعلماء: هل المأمور بالسجود لآدم خاص بملائكة الأرض أو عام في ملائكة السموات والأرض؟ وقد رجح كلاً من القولين طائفة، وظاهر الآية الكريمة العموم: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ} [الحجر:٣٠] فهذه أربعة أوجه مقوية للعموم، والله أعلم].