[تفسير قوله تعالى: (قالوا أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى)]
قال الله تعالى: [قال الله تعالى: {قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى * فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى * قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى} [طه:٥٧ - ٥٩].
يقول تعالى مخبراً عن فرعون أنه قال لموسى حين أراه الآية الكبرى، وهي إلقاء عصاه فصارت ثعباناً عظيماً، ونزع يده من تحت جناحه فخرجت بيضاء من غير سوء فقال: هذا سحر جئت به لتسحرنا وتستولي به على الناس فيتبعونك وتكاثرنا بهم، ولا يتم هذا لك؛ فإن عندنا سحراً مثل سحرك، فلا يغرنك ما أنت فيه، {فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا} [طه:٥٨] أي: يوماً نجتمع نحن وأنت فيه فنعارض ما جئت به بما عندنا من السحر في مكان معين ووقت معين، فعند ذلك (قال) لهم موسى: {مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ} [طه:٥٩]، وهو يوم عيدهم ونوروزهم وتفرغهم من أعمالهم واجتماعهم جميعهم، ليشاهد الناس قدرة الله على ما يشاء، ومعجزات الأنبياء، وبطلان معارضة السحر لخوارق العادات النبوية؛ ولهذا قال: ((وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ)) أي: جميعهم ((ضُحًى)) أي: ضحوة من النهار؛ ليكون أظهر وأجلى وأبين وأوضح، وهكذا شأن الأنبياء كل أمرهم واضح بين ليس فيه خفاء ولا ترويج، ولهذا لم يقل ليلاً، ولكن نهاراً ضحى.
قال ابن عباس: وكان يوم الزينة يوم عاشوراء، وقال السدي وقتادة وابن زيد: كان يوم عيدهم، وقال سعيد بن جبير: يوم سوقهم، ولا منافاة.
قلت: وفي مثله أهلك الله فرعون وجنوده كما ثبت في الصحيح].
وهذه الأقوال كلها لا تنافي بينها، {قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ} [طه:٥٩]، وهو يوم العيد ويوم نوروزهم واجتماعهم، ويوم تفرغهم، والقول بأنه يوم عاشوراء فيكون يوم عاشوراء هو اليوم الذي أظهر الله فيه حججه على يدي موسى، وهو اليوم الذي أغرق الله فيه فرعون.
وآيات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كلها واضحة ظاهرة جلية، بخلاف السحرة فإن أمرهم ملتبس، فتجد السحرة عندهم التباس وعندهم تدليس وتضليل، وليس أمرهم واضحاً، ولهذا تجد السحرة والمشعوذين لا يسكن أحدهم إلا في بيت صغير ضيق ملتو، وفي شوارع ضيقة، وفي بيوت مظلمة، ويكون بعيداً عن الناس بعيداً عن الاجتماعات وله روائح منتنة.
وكذلك أعمالهم فإن فيها تدليساً وتضليلاً وتلبيساً؛ لأنهم ليس لديهم حقائق، وتجدهم لا يحبون الأمكنة الواضحة والشوارع الواضحة، ولا يحبون البيوت الواسعة، وقد يعد الناس في أوقات غير مناسبة غير واضحة للناس، بخلاف الأنبياء فإن أمرهم واضح جلي، فهم يكشفون عنه في رابعة النهار ليراه كل واحد؛ لأن ليس عندهم إلا الحق.
ولهذا قال موسى لما قال له فرعون: {فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى * قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى} [طه:٥٨ - ٥٩]، يوم اجتماع الناس وتفرغهم؛ لكي يعلمه الخاص والعام، وحتى يرى الناس خوارق العادات النبوية، وتظهر الحقائق، وتنجلي ويندثر الباطل وينقمع.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال وهب بن منبه: قال فرعون: يا موسى! اجعل بيننا وبينك أجلاً ننظر فيه، قال موسى صلى الله عليه وسلم: لم أؤمر بهذا، إنما أمرت بمناجزتك إن أنت لم تخرج دخلت إليك، فأوحى الله إلى موسى صلى الله عليه وسلم أن اجعل بينك وبينه أجلاً، وقل له أن يجعل هو، قال فرعون: اجعله إلى أربعين يوماً، ففعل وقال مجاهد: وقتادة: مكاناً سوى منصفاً.
وقال السدي: عدلاً.
وقال: عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: (مكاناً سوى) مستوياً بين الناس، وما فيه لا يكون صوباًَ ولا شيئاً يتغيب بعض ذلك عن بعض، مستوياً حين يُرى].
وصوباً جمع صوبة وهو الكثيب المرتفع، والمكان الذي لا يوجد فيه ارتفاع ولا انخفاض.