[تفسير قوله تعالى: (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد)]
قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف:١١٠].
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [روى الطبراني من طريق هشام بن عمار عن إسماعيل بن عياش عن عمرو بن قيس الكوفي أنه سمع معاوية بن أبي سفيان أنه قال: هذه آخر آية أنزلت، يقول لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء المشركين المكذبين برسالتك إليهم: إنما أنا بشر مثلكم، فمن زعم أني كاذب فليأت بمثل ما جئت به؛ فإني لا أعلم الغيب فيما أخبرتكم به من الماضي عما سألتم من قصة أصحاب الكهف وخبر ذي القرنين مما هو مطابق في نفس الأمر لولا ما أطلعني الله عليه، وأنا أخبركم (أَنَّمَا إِلَهُكُمْ) الذي أدعوكم إلى عبادته (إِلَهٌ وَاحِدٌ) لا شريك له، {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ} أي: ثوابه وجزاءه الصالح.
وهو ما كان موافقاً لشرع الله {وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} وهو الذي يراد به وجه الله وحده لا شريك له، وهذان ركنا العمل المتقبل، لا بد أن يكون خالصاً لله صواباً على شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم].
هذان ركنا العمل، فالعمل لا يصح إلا بهذين الركنين، وأي عمل وأي عبادة يتقرب بها الإنسان إلى الله عز وجل فلا بد من أن يتوافر فيها هذان الركنان: الركن الأول: أن يكون العمل خالصاً لله مراداً به وجهه، فإن قصد به الدنيا أو حطامها أو مراءاة الناس، أو غير ذلك من المقاصد فهو باطل، فلا بد من أن يقصد به وجه الله والدار الآخرة، ولا يقصد به رياءً ولا سمعة، ولا أي غرض من الأغراض.
وفي الحديث: (سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة، والرجل يقاتل حمية، والرجل يقاتل ليرى مكانه، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله).
والركن الثاني: أن يكون العمل موافقاً صواباً على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كان مخالفاً فهو بدعة ترد على صاحبها، فإذا تخلف الركن الأول صار العمل شركاً؛ لأنه أريد به غير الله، وإذا تخلف الركن الثاني صار العمل مبتدعاً مخالفاً للشرع.
وهذان الركنان دلت عليهما نصوص كثيرة، والركن الأول هو مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله، والركن الثاني هو مقتضى شهادة أن محمداً رسول الله.
ودل على هذين الركنين نصوص أخرى، منها قول الله تعالى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [البقرة:١١٢] فقوله: {مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ} أي: أخلص العمل لله.
{وَهُوَ مُحْسِنٌ} إحسان العمل: أن يكون موافقاً للشرع.
وقال تعالى: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [لقمان:٢٢].
ودل على الركن الأول قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى).
ودل على الركن الثاني قوله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).
رواه مسلم.
وللشيخين: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد).