[تفسير قوله تعالى:(فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون)]
قال الله تعالى:{فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا}[الأنبياء:١٢] قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أي: تيقنوا أن العذاب واقع بهم لا محالة كما وعدهم نبيهم {إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ}[الأنبياء:١٢]، أي: يفرون هاربين {لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ}[الأنبياء:١٣]، هذا تهكم بهم قدراً أي: قيل لهم قدراً لا تركضوا هاربين من نزول العذاب وارجعوا إلى ما كنتم فيه من النعمة والسرور والمعيشة والمساكن الطيبة.
قال قتادة: استهزاء بهم.
{لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ}[الأنبياء:١٣]، أي: عما كنتم فيه من أداء شكر النعم.
{قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ}[الأنبياء:١٤]، اعترفوا بذنوبهم حين لا ينفعهم ذلك، {فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ}[الأنبياء:١٥]، أي: ما زالت تلك المقالة وهي الاعتراف بالظلم هجيراهم حتى حصدناهم حصداً وخمدت حركاتهم وأصواتهم خموداً].
لا يفيد الاعتراف بعد نزول العذاب كما قال تعالى:{فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا}[غافر:٨٦ - ٨٥] فإذا نزل العذاب لا يفيد الإيمان، ففرعون آمن لما نزل به العذاب، وهو الذي كان يقول للناس:{أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى}[النازعات:٢٤] فلما نزل به العذاب قال: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[يونس:٩٠]، لكن هذا لا يفيد فإذا نزل العذاب فقد انتهى الأمر.
وقوله:(هجيراهم) يعني: يلهجون بها.
وهذا فيه تحذير من الاستمرار على المعاصي؛ لأن الواجب على الإنسان ألا يستمر على المعاصي، بل يجب عليه أن ينتبه من غفلته ويتوب إلى الله عز وجل قبل أن تأتيه العقوبة؛ لأنها إذا نزلت فلا يفيد حينئذ الاعتراف.