للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الجمع بين قوله تعالى: (فما اسطاعوا أني ظهروه وما استطاعوا له نقبا) وبين الأحاديث التي صرحت بذكر النقب]

ذكر الحافظ ابن كثير هنا أن هذا الحديث يعارض الآية: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا}، لكن الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية عندما تكلم على يأجوج ومأجوج قال: فإن قيل: فما الجمع بين قوله تعالى: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} [الكهف:٩٧] وبين الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن زينب بنت جحش أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: (استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من نومه محمراً وجهه وهو يقول: لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وحلق تسعين)، الحديث.

وحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا)؟ ف

الجواب

أما على قول من ذهب إلى أن هذا إشارة إلى فتح أبواب الشر والفتن، وأن هذا استعارة محضة وضرب مثل فلا إشكال، وأما على قول من جعل ذلك إخباراً عن أمر محسوس -كما هو الظاهر المتبادر- فلا إشكال أيضاً؛ لأن قوله: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} أي: في ذلك الزمان؛ لأن هذه صيغة خبر ماض، فلا ينفي وقوعه فيما يستقبل بإذن الله لهم في ذلك قدراً، ولكن الحديث الآخر أشكل من هذا، وهو ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن يأجوج ومأجوج ليحفرون السد كل يوم، حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غداً) إلى آخر الحديث، فإن لم يكن رفع هذا الحديث محفوظاً، وإنما هو مأخوذ عن كعب الأحبار -كما قال بعضهم- فقد استرحنا من المؤنة، وإن كان محفوظاً فيكون محمولاً على أن صنيعهم هذا يكون في آخر الزمان عند اقتراب خروجهم.

ثم قال: وعلى هذا فيمكن الجمع بين هذا وبين ما في الصحيحين عن أبي هريرة: (فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وعقد تسعين) أي: فتح فتحاً نافذاً فيه، والله أعلم.

انتهى كلام ابن كثير من البداية والنهاية، وهو يدل على أنه لا تعارض بين الآية والأحاديث، فالنقب يكون عند الإذن بخروجهم في زمن عيسى عليه السلام.

والمتأمل في قوله: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} يرى أنَّ ظاهر أن يأجوج ومأجوج ما استطاعوا نقبه وما استطاعوا مروره، وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: (فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج) ليس فيه أنهم هم الذين فتحوه، فيحتمل أنه فتح من قبل غيرهم، فقد يكون -مثلاً- بأمر الله من فعله وليس من فعلهم، وهذا يدل على اقتراب أجلهم، ويدل على هذا سبب الحديث، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ فزعاً محمراً وجهه يقول: (لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا) يعني أنه قد اقترب خروجهم، فإذا اقترب ذلك جعله الله دكاً، وليسوا هم الذين يجعلونه دكاً، كما قال تعالى: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ} [الكهف:٩٨] أي: يسويه بالأرض فيكون هذا الفتح من فعل الله وليس من فعلهم، وهذا إذا جاء الوعد الحق، كما قال الله تعالى في سورة الأنبياء: {وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الأنبياء:٩٧].

والمقصود أنه يظهر لي أن هذا يكون جواباً، وهو أن الفتح ليس من فعلهم، فإذا أذن الله بخروجهم جعله دكاً فيزول السد كاملاً، فإذا بهم يخرجون إلى الناس، وعلى هذا فلا يعارض الحديث الآية، بل الآية على ظاهرها أنهم ما استطاعوا له نقباً، والحديث ما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه أنهم هم الذين فتحوه حتى يعارض الآية، بل قال: (فُتِحَ اليوم من ردم يأجوج ومأجوج).

والشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة تكلم على الحديث فقال: [قلت: تنبيه: أورد الحافظ ابن كثير هذا الحديث من رواية الإمام أحمد رحمه الله تحت تفسير آيات قصة ذي القرنين وبنائه السد، وقوله تعالى في يأجوج ومأجوج فيه: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا}، ثم قال عقبه: وإسناده جيد قوي، ولكن متنه في رفعه نكارة؛ لأن ظاهر الآية يقتضي أنهم لم يتمكنوا من ارتقائه ولا من نقبه لإحكام بنائه وصلابته وشدته.

قلت: نعم، ولكن الآية لا تدل من قريب ولا من بعيد على أنهم لن يستطيعوا ذلك أبداً، فالآية تتحدث عن الماضي والحديث عن المستقبل الآتي، فلا تنافي ولا نكارة، بل الحديث يتمشى تماماً مع القرآن في قوله: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ} [الأنبياء:٩٦]].

إذاً: حاصله أنه -كما قال الحافظ - كالجواب الثاني عن حديث زينب، أي أن هذه الآية في الماضي، وهذا الحديث في المستقبل.

ولكنه ظهر لي جواب آخر، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: إنهم نقبوه ولا فتحوه، وإنما قال: (فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج)، والله قادر على أن يجعله ينفتح بدونهم وبدون سببهم.