قال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: [يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: اضرب للناس مثل هذين الرجلين الشاكر لنعمة الله والكافر لها، وما صدر لكل منهما من الأقوال والأفعال، وما حصل بسبب ذلك من العقاب العاجل والآجل والثواب؛ ليعتبروا بحالهما ويتعظوا بما حصل عليهما، وليس معرفة هذين الرجلين وفي أي زمان أو مكان هما فيه فائدة أو نتيجة، فالنتيجة تحصل من قصتهما فقط، والتعرض لما سوى ذلك من التكلف، فأحد هذين الرجلين الكافر بنعمة الله الجليلة جعل الله له جنتين، أي: بستانين حسنين من الأعناب {وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ}، أي: في هاتين الجنتين من كل الثمرات، وخصوصاً أشرف الأشجار: العنب والنخل، فالعنب وسطها، والنخل قد حف بذلك ودار به، فحصل فيه من حسن المنظر وبهائه، وبروز الشجر والنخل للشمس والرياح التي تكمل بها الثمار وتنضج وتتجوهر، ومع ذلك جعل بين تلك الأشجار زرعا، فلم يبق عليهما إلا أن يقال: كيف ثمار هاتين الجنتين، وهل لهما ماء يستقيهما؟ فأخبر تعالى أن كلاً من الجنتين آتت أكلها -أي: ثمرها وزرعها- ضعفين، أي: متضاعفة، وأنها لم تظلم منه شيئا، أي: لم تنقص من أكلها أدنى شيء، ومع ذلك فالأنهار في جوانبهما سارحة].
قال رحمه الله تعالى: [وكان له -أي: لذلك الرجل- ثمر، أي: عظيم كما يفيده التنكير، أي: قد استكملت جنتاه ثمارهما، وارجحنت أشجارهما، ولم تعرض لهما آفة أو نقص، فهذا غاية منتهى زينة الدنيا في الحر، ولهذا اغتر هذا الرجل وتبجح، وافتخر ونسى آخرته، (فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً) أي: فقال صاحب الجنتين لصاحبه المؤمن وهما يتحاوران -أي: يتراجعان الكلام بينهما في بعض الماجريات المعتادة مفترخاً عليه: (أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً).
{لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنقَلَبًا}[الكهف:٣٦]، أي: ليعطيني خيراً من هاتين الجنتين، وهذا لا يفهم منه إلا أمران: إما أن يكون عالماً بحقيقة الحال، فيكون كلامه هذا على وجه التهكم والاستهزاء، فيكون زيادة كفر إلى كفره، وإما أن يكون هذا ظنه في الحقيقة، فيكون من أجهل الناس وأبخسهم حظاً من العقل].