[تفسير قوله تعالى: (قال قد أوتيت سؤلك يا موسى)]
قال الله تعالى: [{قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى * وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى * إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى * أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي * إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} [طه:٣٦ - ٤٠].
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [هذه إجابة من الله لرسوله موسى عليه السلام فيما سأل من ربه عز وجل وتذكير له بنعمه السالفة عليه فيما كان من أمر أمه حين كانت ترضعه وتحذر عليه من فرعون وملئه أن يقتلوه؛ لأنه كان قد ولد في السنة التي يقتلون فيها الغلمان، فاتخذت له تابوتاً فكانت ترضعه ثم تضعه فيه وترسله في البحر وهو النيل وتمسكه إلى منزلها بحبل، فذهبت مرة لتربط الحبل فانفلت منها وذهب به البحر، فحصل لها من الغم والهم ما ذكره الله عنها في قوله: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا} [القصص:١٠] فذهب به البحر إلى دار فرعون].
قوله تعالى: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا} [القصص:١٠] يعني: لولا أن الله ربط على قلبها لذهب عقلها، فقد جبل الله الأم على الحب لولدها، فكيف تستطيع الصبر؟! فأرادت أن ترده لكن الله تعالى ربط على قلبها، وتولى الله هذا الغلام بعنايته لما أراد به من الكرامة، وإطلاعه لما أراد به سبحانه من إظهار الدلائل للناس على أن الله على كل شيء قدير، ومن المعجزات على يدي موسى عليه الصلاة والسلام، وله الحكمة البالغة: أن الله تولاه بعنايته، فهو الذي خلق البحر وخلق أم موسى وخلق موسى وخلق فرعون، وهو الذي حفظه، فسار هذا التابوت حتى وصل إلى دار فرعون، وكان فرعون يقول: {وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف:٥١] يعني: بيته الذي تجري من تحته النيل.
وكان فرعون قد رأى رؤيا فعبرت له أنه سيزول ملكه على يد رجل من بني إسرائيل، فكان الأقباط يمتهنون بني إسرائيل لأنهم عمال عندهم، والعمال لا قيمة لهم عند الأقباط ولا وزن، فلما قتلهم قيل ستنتهي اليد العاملة من كثرة القتل، فجعل يقتلهم سنة ويتركهم سنة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [{فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص:٨] أي: قدراً مقدوراً من الله حيث كانوا هم يقتلون الغلمان من بني إسرائيل حذراً من وجود موسى، فحكم الله وله السلطان العظيم والقدرة التامة أن لا يربى إلا على فراش فرعون ويغذى بطعامه وشرابه مع محبته وزوجته له].
وهذه حكمة بالغة، فهو يقتل الغلمان خوفاً منه، ومع ذلك يتربى هذا الغلام الذي سيكون زوال ملكه على يديه في بيته، وفي حجر امرأته ويأكل من طعامه وشرابه، وصار كأنه ابن من أبناء الملوك، وهذا من حكم الله العظيمة، كما قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:٨٢].
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولهذا قال تعالى: {يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي} [طه:٣٩] أي: عند عدوك جعلته يحبك.
قال سلمة بن كهيل: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي} [طه:٣٩] قال: حببتك إلى عبادي.
{وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه:٣٩].
قال أبو عمران الجوني: تربى بعين الله].
قوله: بعين الله، أي برعايته وعنايته سبحانه وتعالى، فهو الذي تولى عنايته.
وهذه من العبر العظيمة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال قتادة: تغذى على عيني.
وقال معمر بن المثنى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه:٣٩] بحيث أرى.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: يعني أجعله في بيت الملك ينعم ويترف وغذاؤه عندهم غذاء الملك، فتلك الصنعة.