[بطلان دعوى دلالة الحروف المقطعة على الآجال والحوادث والفتن]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأما من زعم أنها دالة على معرفة المدد، وأنه يستخرج من ذلك أوقات الحوادث والفتن والملاحم فقد ادعى ما ليس له، وطار في غير مطاره].
صدق رحمه الله، فما هي علاقة المدد بالحروف حتى يجعل كل حرف يفيد كذا، فالألف كذا، واللام ثلاثين والميم أربعين؟! قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقد ورد في ذلك حديث ضعيف، وهو مع ذلك أدل على بطلان هذا المسلك من التمسك به على صحته، وهو ما رواه محمد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي: حدثني الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: (مر أبو ياسر بن أخطب في رجال من يهود برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتلو فاتحة سورة البقرة {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة:١ - ٢] فأتى أخاه حيي بن أخطب في رجال من اليهود فقال: تعلمون والله لقد سمعت محمداً يتلو فيما أنزل الله تعالى عليه {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة:١ - ٢] فقال: أنت سمعته؟ قال: نعم.
قال: فمشى حيي بن أخطب في أولئك النفر من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا محمد! ألم يذكر أنك تتلو فيما أنزل الله عليك: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ} [البقرة:١ - ٢]؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بلى.
فقالوا: جاءك بهذا جبريل من عند الله؟ فقال: نعم.
قالوا: لقد بعث الله قبلك أنبياء ما نعلمه بين لنبي منهم ما مدة ملكه وما أجل أمته غيرك.
فقام حيي بن أخطب وأقبل على من كان معه فقال لهم: الألف واحدة، واللام ثلاثون، والميم أربعون، فهذه إحدى وسبعون سنة، أفتدخلون في دين نبي إنما مدة ملكه وأجل أمته إحدى وسبعون سنة؟! ثم أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد! هل مع هذا غيره؟ فقال: نعم.
قال: ماذاك؟ قال: {المص} [الأعراف:١]، قال: هذا أثقل وأطول: الألف واحد، واللام ثلاثون، والميم أربعون، والصاد تسعون، فهذه إحدى وثلاثون ومائة هل مع هذا -يا محمد- غيره؟! قال: نعم.
قال: ما ذاك؟ قال: {المر} [الرعد:١]، قال: هذا أثقل وأطول: الألف واحدة، واللام ثلاثون، والراء مائتان، فهذه إحدى وثلاثون ومائتا سنة.
فهل مع هذا -يا محمد- غيره؟ قال: نعم.
قال: ماذا؟ قال: {المر} [الرعد:١]، قال: هذه أثقل وأطول: الألف واحدة، واللام ثلاثون، والميم أربعون، والراء مائتان، فهذه إحدى وسبعون ومائتان.
ثم قال: لقد لبس علينا أمرك -يا محمد- حتى ما ندري أقليلاً أعطيت أم كثيراً؟! ثم قال: قوموا عنه، ثم قال أبو ياسر لأخيه حيي بن أخطب ولمن معه من الأحبار: ما يدريكم لعله قد جمع هذا لمحمد كله إحدى وسبعون، وإحدى وثلاثون ومائة، وإحدى وثلاثون ومائتان، وإحدى وسبعون ومائتان، فذلك سبعمائة وأربع سنين.
فقالوا: لقد تشابه علينا أمره.
فيزعمون أن هؤلاء الآيات نزلت فيهم: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران:٧]).
فهذا الحديث مداره على محمد بن السائب الكلبي، وهو ممن لا يحتج بما انفرد به].
لأنه كذاب، والحديث باطل.
والمذكور في هذا الحديث هو ما كان يحسب به العدد من الحروف، حيث كانوا يجعلون كل حرف مثل رحماً عددياً معيناً، ولهذا يقال في تاريخ وفاة الشافعي: (در)، فالدال أربعة، والراء مائتان، فتكون وفاته في عام مائتين وأربعة.
وذكر العلماء وفاة الأئمة الأربعة بالطريقة الأبجدية، فقالوا: للشافعي (در)، و (رام) لـ ابن حنبل، و (طعق) لـ مالك، و (قان) لـ أبي حنيفة، ومعلوم أن هذه الأحرف تربط بها الوفيات، فإذا حفظت هذا البيت عرفت وفاة الأئمة الأربعة: فنعمان (قان) و (طعق) لمالك وللشافعي (در) و (رام) لابن حنبل ونعمان هو أبو حنيفة، فالقاف في (قان) بمائة، والألف بواحد، والنون بخمسين، فهو توفي سنه مائة وخمسين.
و (طعق) لـ مالك حيث توفي سنة مائة وست وسبعين.
وللشافعي (در) و (رام) لـ ابن حنبل، فهذه تضبط بها الوفيات.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم كان مقتضى هذا المسلك إن كان صحيحاً أن يحسب ما لكل حرف من الحروف الأربعة عشر التي ذكرناها].
فمقتضى هذا أن كل الحروف الأربعة عشر تحسب على هذه الطريقة، فكل حرف له مدة، فتزيد المدد فتكون مدداً كثيرة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وذلك يبلغ منه جملة كثيرة، وإن حسبت مع التكرر فأطم وأعظم، والله أعلم].
فأقول: هذا كلام لا وجه له، ورجم بالغيب ليس له مستند إلا هذا الحديث الباطل.
وهناك كتاب لشخص خرافي ذكر فيه أن علامات الساعة الكبرى تبدأ تقريباً عام ١٤٢٥هـ، وهذا من خرافاته، فإن علم الساعة وعلاماتها غيب لا يعلمه إلا الله تعالى، قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} [الأعراف:١٨٧]، ولما سأل جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة قال: (ما المسئول عنها بأعلم من السائل؟ قال: أخبرني عن أماراتها).
ومن بطلان هذا القول أن أشراط الساعة الكبرى ما ظهرت بعد.