[موازين الناس في الآخرة]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ} أي: جحدوا آيات الله في الدنيا وبراهينه التي أقام على وحدانيته وصدق رسله، وكذبوا بالدار الآخرة.
{فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا}، أي: لا نثقل موازينهم؛ لأنها خالية عن الخير.
قال البخاري رحمه الله: حدثنا محمد بن عبد الله حدثنا سعيد بن أبي مريم أخبرنا المغيرة حدثني أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة.
وقال: اقرءوا إن شئتم: {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا})].
فقد يأتي الرجل العظيم ولا يقام له وزن، وذلك بسبب عمله السيئ، فلا يزن عند الله جناح بعوضة، فالميزان يخف ويثقل حسب الأعمال، فإذا كان العمل صالحاً ثقل الميزان، وإذا كان العمل سيئاً خف الميزان، فالأعمال توزن وإن كانت أعراضاً؛ لأن الله تعالى يقلبها أعياناً، وكذلك الأشخاص يوزنون، كما في الحديث: (يؤتى بالرجل العظيم السمين لا يزن عند الله جناح بعوضة)، وثبت أيضاً في الحديث الصحيح أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كان دقيق الساقين، فمشى فكشفت الريح عن ساقيه، فضحك الصحابة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مم تضحكون؟ قالوا: من دقة ساقيه يا رسول الله! فقال عليه الصلاة والسلام: والذي نفسي بيده لهما في الميزان أثقل من جبل أحد) وذلك بسبب عمله الصالح، وأما الكفار فكما قال الله: {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف:١٠٥].
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وعن يحيى بن بكير عن مغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد مثله.
هكذا ذكره عن يحيى بن بكير معلقاً، وقد رواه مسلم عن أبي بكر محمد بن إسحاق عن يحيى بن بكير به.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا أبو الوليد حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يؤتى بالرجل الأكول الشروب العظيم فيوزن بحبة فلا يزنها، قال: وقرأ: {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا}).
وكذا رواه ابن جرير عن أبي كريب عن أبي الصلت عن ابن أبي الزناد عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً، فذكره بلفظ البخاري سواء.
وقال أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار: حدثنا العباس بن محمد حدثنا عون بن عمارة حدثنا هشام بن حسان عن واصل عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: (كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل رجل من قريش يخطر في حلة له، فلما قام على النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا بريدة! هذا ممن لا يقيم الله له يوم القيامة وزناً)، ثم قال: تفرد به واصل مولى أبي عنبسة وعون بن عمارة وليس بالحافظ، ولم يتابع عليه.
وقد قال ابن جرير: حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن الأعمش عن شمر عن أبي يحيى عن كعب قال: (يؤتى يوم القيامة برجل عظيم طويل، فلا يزن عند الله جناح بعوضة، اقرءوا: {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا}).
وقوله: {ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا} أي: إنما جازيناهم بهذا الجزاء بسبب كفرهم، واتخاذهم آيات الله ورسله هزواً، استهزءوا بهم وكذبوهم أشد التكذيب].