للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بيان معنى قوله تعالى: (ونفخ في الصور)]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ}، والصور كما جاء في الحديث: (قرن ينفخ فيه)، والذي ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام كما قد تقدم في الحديث بطوله، والأحاديث فيه كثيرة، وفي الحديث عن عطية عن ابن عباس وأبي سعيد مرفوعاً: (كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته واستمع متى يؤمر؟ قالوا: كيف نقول؟ قال: قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، على الله توكلنا)].

قوله: (حسبنا) يعني: كافينا، وفي الحديث الصحيح: (حسبنا الله ونعم الوكيل الخليل قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا له: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران:١٧٣])، وذلك بعد غزوة أحد، حين قيل: إن المشركين يريدون أن يأتوا ليستأصلوا البقية الباقية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حسبنا الله ونعم الوكيل، فكفاهم الله شرهم.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله: {فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا} أي: أحضرنا الجميع للحساب، {قُلْ إِنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الواقعة:٤٩ - ٥٠]، {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا} [الكهف:٤٧]].

النفخ في الصور نفختان: فالنفخة الأولى في آخر الدنيا، وهي نفخة الصعق والموت، وهي نفخة طويلة يطولها إسرافيل، أولها فزع وآخرها صعق وموت، وهما مذكورتان في القرآن الكريم، فالأولى: مذكورة في سورة النمل: {وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} [النمل:٨٧]، والأخرى: مذكورة في سورة الزمر: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ} [الزمر:٦٨] والصعق الموت، {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى} [الزمر:٦٨] وهذه نفخة البعث {فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر:٦٨].

وجاء في حديث: أن النفخات ثلاث: نفخة الفزع، ونفخة الصعق، ونفخة البعث، ولكن هذا حديث ضعيف؛ لأنه من رواية إسماعيل بن رافع وهو ضعيف، وروى حديث الصور، وهو حديث طويل لفقه من أحاديث تصور أنها نفخة واحدة أولها الفزع ثم آخرها الصعق والموت.

وينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتاً ورفع ليتا، فلا يزال الصوت يقوى حتى يموت الناس، ثم يمكث الناس أربعين سنة، ثم ينزل الله مطراً في هذه المدة أبيض تنبت منه أجسام الناس، فإذا تم خلقهم ونشأ الناس نشأة أخرى، وتبدلت الصفات والذوات، أمر الله إسرافيل فنفخ في الصور فعادت الأرواح إلى أجسادها، فقام الناس من قبورهم ينفضون التراب عن رءوسهم، فيقفون بين يدي الله عز وجل.