قال المصنف رحمه الله تعالى: [وهل له أن يعزل نفسه؟ فيه خلاف، وقد عزل الحسن بن علي نفسه وسلم الأمر إلى معاوية، لكن هذا لعذر، وقد مدح على ذلك.
فأما نصب إمامين في الأرض أو أكثر فلا يجوز لقوله عليه الصلاة والسلام:(من جاءكم وأمركم جميع يريد أن يفرق بينكم فاقتلوه كائنا من كان)، وهذا قول الجمهور، وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد، منهم إمام الحرمين.
وقالت الكرامية: يجوز نصب إمامين فأكثر كما كان علي ومعاوية إمامين واجبي الطاعة] قول الكرامية باطل، فإن الإمام هو علي فقط، أما معاوية فلم ينصب نفسه إماماً.
قال المصنف رحمه الله تعالى:[قالوا: وإذا جاز بعث نبيين في وقت واحد وأكثر جاز ذلك في الإمام؛ لأن النبوة أعلى رتبة بلا خلاف، وحكى إمام الحرمين عن الأستاذ أبي إسحاق أنه جوز نصب إمامين فأكثر إذا تباعدت الأقطار واتسعت الأقاليم بينهما، وتردد إمام الحرمين في ذلك، قلت: وهذا يشبه حال خلفاء بني العباس بالعراق، والفاطميين بمصر، والأمويين بالمغرب.
ولنقرر هذا كله في موضع آخر من كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى].
الأصل أنه لا يكون إلا إمام مسلم واحد.
ويروى عن هارون الرشيد أنه رأى سحابة، فقال لها: أمطري حيث شئت، فسيأتيني خراجك.
فكل الأرض يملكها الخليفة، لكن إذا لم يمكن هذا، وصار الاجتماع على واحد يؤدي إلى الفرقة والاختلاف والحروب والتناحر جاز أن يكون كل خليفة في إقليمه، لقوله تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[التغابن:١٦]، وقوله:{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة:٢٨٦]، وعليه يجب طاعة كل خليفة في مملكته، كما هو الآن موجود في العصر الحاضر، وما هو موجود في العصر الحاضر الآن لا نضير له في المستقبل، إذ أصبحت هناك دويلات كثيرة، فهذا للضرورة لقوله تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[التغابن:١٦]، ومثلما ذكر الحافظ ابن كثير، إذ كان في زمن واحد خلفاء بني العباس في الشرق، والأندلس في الغرب، والفاطميين بمصر وهذا لتباعد الأقطار، فيكون كل خليفة في مملكته وقطرة، وتجب طاعته.