تفسير قوله تعالى: (وما أرسلنا قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم)
قال الله تعالى: قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ * وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ * ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ} [الأنبياء:٧ - ٩].
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [يقول تعالى راداً على من أنكر بعثة الرسل من البشر: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ} [الأنبياء:٧]، أي: جميع الرسل الذين تقدموا كانوا رجالاً من البشر لم يكن فيهم أحد من الملائكة كما قال في الآية الأخرى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} [يوسف:١٠٩].
وقال تعالى: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف:٩]، وقال تعالى حكاية عمن تقدم من الأمم أنهم أنكروا ذلك فقالوا: {أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا} [التغابن:٦].
ولهذا قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:٤٣]، أي: اسألوا أهل العلم من الأمم كاليهود والنصارى وسائر الطوائف: هل كان الرسل الذين أتوهم بشراً أو ملائكة؟ وإنما كانوا بشراً، وذلك من تمام نعمة الله على خلقه إذ بعث فيهم رسلاً منهم يتمكنون من تناول البلاغ منهم والأخذ عنهم].
إن الله تعالى أرسل إلى الناس رسلاً من جنسهم؛ حتى يأخذون عنهم، ويحفظون كلامهم، ولو كانوا من جنس آخر لما فهموا عنهم، ولما استفادوا منهم، ولهذا لما اقترح المشركون أن يكون الرسل من الملائكة قيل لهم: إن هذا لا يكون، وإنه لو كان الرسول ملكاً لكان بشراً، وإن البشر لا يستطيعون أن يأخذوا من الملك على صورته التي خلق عليها ولا أن يقربوا منه.
ولهذا قال الله سبحانه: {وَقَالُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لا يُنظَرُونَ * وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [الأنعام:٨ - ٩]، وفي هذه الآية دليل على أن النبوة خاصة بالرجال قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا} [الأنبياء:٧].
وأنه ليس في النساء نبية، وفيه رد على ابن حزم القائل بأن أم عيسى مريماً نبية؛ لأن الملائكة كلمتها وكذلك أيضاً سارة امرأة إبراهيم قال: إنها نبية؛ لأن الملائكة كلمتها، وأم موسى قال: إنها نبية، وهذا باطل، والصواب أنه ليس في النساء نبية، فالنبوة مختصة بالرجال كما في هذه الآية {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} [يوسف:١٠٩].
فالله تعالى ذكر منزلة مريم التي هي من أفضل النساء في مقام الامتنان، بأنها صديقة قال تعالى: {وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ} [المائدة:٧٥]، فبلغت درجة الصديقية ولم تصل إلى درجة النبوة.