للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= واختلف أهل العلم في الدفن ليلًا: فكره الحسن البصري ذلك إلا لضرورة، ومما يستدل له به حديث جابر هذا، والصحيح أن النهي في هذا الحديث ليس هو من طريق منع الدفن ليلًا على إطلاقه، وإنما هو لعلة، وقد قيل في تعليله: إن الدفن نهارًا يحضره كثير من الناس، ويصلون علبه، ولا يحضره في الليل إلا أفراد قليلون، فيفوته كثرة دعاء المسلمين المرغب فيه، وقيل: إنه لإرادة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يصلي على جميع موتى المسلمين، لما يكون لهم في ذلك من الفضل والخير بصلاته عليهم، وقيل: إن سبب ذلك أن قومًا كانوا يسيئون أكفان موتاهم، فيدفنونهم ليلًا، لئلا تَبِين رداءة الكفن. والعلتان الأخيرتان بيَّنتان في الحديث، والظاهر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد قصدهما معًا كما ذكر الطحاوي والقاضي عياض.
وذهب عامة أهل العلم إلى إباحة الدفن ليلًا، وأجابوا عن حديث جابر بما ذكرنا من التعليل، واستدلوا أيضًا بحديث أبي هريرة- الذي أخرجه أحمد (٩٠٣٧) -: أن إنسانًا كان يَقُمُّ المسجد أسودَ، فمات -أو ماتت-، ففقدها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "ما فعل الإنسان الذي كان يقم المسجد؟ " فقيل له: مات، قال: "فهلا آذنتموني به" فقالوا: إنه كان ليلًا. قال: "فدلوني على قبرها" فأتى القبر فصلى عليها. ومثله حديث أنس عند أحمد (١٢٥١٧)، وحديث ابن عباس عند البخاري (١٣٤٠)، وأحمد (١٩٦٢).
ولم ينكر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هذه الأحاديث دفنهم بالليل، بل كان إنكاره لعدم إعلامه بأمرهم.
واستدلوا أيضًا بما رواه أبو داود (٣١٦٤)، والطحاوي ١/ ٥١٣ عن جابر قال: رأى ناس نارًا في المقبرة، فأتوها، فإذا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في القبر، وإذا هو يقول: "ناولوني صاحبكم" فإذا هو الرجل الذي كان يرفع صوته بالذكر. وإسناده حسن.
واستدلوا بحديث عائشة الذي أخرجه أحمد (٢٤٣٣٣) قالت: ما علمنا بدفن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى سمعنا صوت المساحي من آخر الليل ليلة الأربعاء. ومعلوم أن دفنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان بحضرة أصحابه، ولم يُؤثَر عن أحد منهم إنكارُ ذلك.
واستدلوا بآثار ثابتة عن الصحابة أنهم دفنوا ليلًا. انظر "شرح معاني الآثار" ١/ ٥١٣ - ٥١٥، و"فتح الباري" ٣/ ٢٠٧ - ٢٠٨، و"المغني" ٣/ ٥٠٣ - ٥٠٤، و"شرح مسلم" ٧/ ١١ - ١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>