وذهب عامة أهل العلم إلى إباحة الدفن ليلًا، وأجابوا عن حديث جابر بما ذكرنا من التعليل، واستدلوا أيضًا بحديث أبي هريرة- الذي أخرجه أحمد (٩٠٣٧) -: أن إنسانًا كان يَقُمُّ المسجد أسودَ، فمات -أو ماتت-، ففقدها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "ما فعل الإنسان الذي كان يقم المسجد؟ " فقيل له: مات، قال: "فهلا آذنتموني به" فقالوا: إنه كان ليلًا. قال: "فدلوني على قبرها" فأتى القبر فصلى عليها. ومثله حديث أنس عند أحمد (١٢٥١٧)، وحديث ابن عباس عند البخاري (١٣٤٠)، وأحمد (١٩٦٢). ولم ينكر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هذه الأحاديث دفنهم بالليل، بل كان إنكاره لعدم إعلامه بأمرهم. واستدلوا أيضًا بما رواه أبو داود (٣١٦٤)، والطحاوي ١/ ٥١٣ عن جابر قال: رأى ناس نارًا في المقبرة، فأتوها، فإذا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في القبر، وإذا هو يقول: "ناولوني صاحبكم" فإذا هو الرجل الذي كان يرفع صوته بالذكر. وإسناده حسن. واستدلوا بحديث عائشة الذي أخرجه أحمد (٢٤٣٣٣) قالت: ما علمنا بدفن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى سمعنا صوت المساحي من آخر الليل ليلة الأربعاء. ومعلوم أن دفنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان بحضرة أصحابه، ولم يُؤثَر عن أحد منهم إنكارُ ذلك. واستدلوا بآثار ثابتة عن الصحابة أنهم دفنوا ليلًا. انظر "شرح معاني الآثار" ١/ ٥١٣ - ٥١٥، و"فتح الباري" ٣/ ٢٠٧ - ٢٠٨، و"المغني" ٣/ ٥٠٣ - ٥٠٤، و"شرح مسلم" ٧/ ١١ - ١٢.