وأخرجه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (٦١٢٦) من طريق ابن وهب، أخبرني ابن جريج أن محمَّد بن المنكدر حدثه عن جابر بن عبد الله: أن اليهود قالوا للمسلمين: من أتى امرأة مدبرة جاء ولدُها أحول، فأنزل الله هذه الآية، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مقبلة ومدبرة ما كان في الفرج من قُبلها لا إلى ما سواه" وإسناده صحيح. فهذا بيان في المعنى المراد من قوله تعالى: {أَنَّى شِئْتُمْ} صادر ممن أنزل الله إليه الذكر ليبين للناس ما نزلَ إليهم، ولا يسع المؤمن المسلم الذي ارتضى الله ربًا والإسلام دينًا ومحمدًا رسولًا إلا أن يقبل به، وينتهي إليه، ويسلم به تسليمًا. وقال الإمام النووي في "شرح مسلم" ١٠/ ٦ قال العلماء: وقوله تعالى: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} أي: موضع الزرع من المرأة وهو قُبُلُها الذي يزرع فيه المني لابتغاء الولد، ففيه إباحة وطئها في قبلها إن شاء من بين يديها، وإن شاء من ورائها، وإن شاء مكبوبة. وأما الدُّبر، فليس هو بحرثٍ، ولا موضع زرع، فمعنى قوله تعالى: {أَنَّى شِئْتُمْ}، أي: كيف شئتم، واتفق العلماء الذين يُعتدُّ بهم على تحريم وطء المرأة في دبرها حائضًا كانت أو طاهرًا. وأخرج الإمام أحمد في "مسنده" (٢٧٠٣) والترمذي (٢٩٨٠) والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (٦١٢٧) والنسائي في "الكبرى" (٨٩٧٧) و (١١٠٤٠) عن ابن عباس قال: جاء عمر بن الخطاب إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: يا رسول الله هلكتُ، قال: "وما الذي أهلكك" قال: حولت رحلي الليلة، فلم يرد عليه شيئًا، قال: فأوحي إلى رسول الله هذه الآية {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} يقول: "أقبل وأدبر واتق الدُّبر والحيضة" وهذا حديث حسن كما قال الترمذي، وصححه ابن حبان (٤٢٠٢). وقول عمر: "حولت رحلي الليلة" قال ابن الأثير في "النهاية": كنى برحله عن زوجته، أراد به غشيانها في قُبلها من جهة ظهرها، لأن المجامع يعلو المرأة ويركبها مما يلي وجهها، فحيث ركبها من جهة ظهرها كنى عنه بتحويل رحله.