للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الرطبة مع اليابسة جنسان من وجه، وفي مثل هذا المماثلة لا تكفي، وأما بيع الحنطة المبلولة، فعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف: يجوز إذا تساويا كيلاً، وكذا الزبيب المنقع بالزبيب المنقع والتمر المنقع، وفي بيع المقلية اختلاف المشايخ، والأصح إن تساويا كيلاً؛ لأن المجانسة بينهما فائته من وجه؛ لأن بالقلي يفوت جنس المنفعة بأصلها، وهي منفعة الزراعة والجنس والمماثلة الخالية في مثل هذا لا يكفي للجواز.

وأما بيع المقلية بالمقلية: فيجوز إذا تساويا كيلاً؛ لأن المجانسة بينهما قائمة من كل وجه، ويكتفي بجواز البيع بالمماثلة الخالية، ولا فرق في بين الحنطة بالدقيق متساوياً ومتفاضلاً؛ لأن المجانسة بين الحنطة والدقيق ثابتة من وجه دون وجه؛ لأن أثر الطحن في تفريق الأجزاء لا غير، والمجتمع لا يصير شيئاً آخر بالتفريق، ولهذا بقي حرمة ربا الفضل بين الحنطة والدقيق، وأما فائتة من وجه بدليل اختلاف الاسم والصورة والمعنى، والمماثلة الخالية في مثل هذا لا يكتفي للجواز.

وبيع الدقيق بالدقيق يجوز إذا تساويا كيلاً؛ لأن المجانسة بينهما قائمة من كل وجه، والاتفاق في القدر ثابت، فيجوز البيع عند التساوي كيلاً، كبيع الحنطة، وكبيع الدقيق بيان المجانسة ظاهر بيان الاتفاق في القدر أن الدقيق كيلي، فإنَّ الناس اعتادوا بيعه كيلاً، ولهذا جاز السلم فيه كيلاً، ويجوز بيعه في الذمة كيلاً، وكذا يجوز استقراضه كيلاً.

حكي عن الشيخ الإمام الجليل أبي بكر محمد بن الفضل: أن بيع الدقيق بالدقيق إذا تساويا كيلاً إنما يجوز إذا كانا مكبوسين، وإذا باع الحنطة بالحنطة وزناً لا يجوز، والأصل: أن ما يثبت كيله بالنص لا يجوز بيعه بجنسه وزناً، كالحنطة بالحنطة، وما ثبت وزنه بالنص لا يجوز بيعه بجنسه وكيلاً كالدراهم (٥٢ب٣) بالدراهم كيلاً، وكالدنانير بالدنانير كيلاً، وما لا نص فيه، ولكن عرف كونه كيلاً على عهد رسول الله عليه، فهو مكيل أبداً، وإن اعتاد الناس بيعه وزناً في زماننا، وما عرف كونه موزوناً في ذلك الوقت، فهو موزون أبداً، وما لا يعرف حاله على عهد رسول الله عليه يعتبر فيه عرف الناس، فإن تعارفوا كيله فهو مكيل، وإن تعارفوا وزنه فهو وزني، وإن تعارفوا كيله ووزنه، فهو كيلي ووزني، وهذا كله قول أبي حنيفة ومحمد.

فأما على قول أبي يوسف: المعتبر في جميع الأشياء العرف سواء عرف كونه مكيلاً على عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام أو موزوناً.

قال الشيخ الإمام: وأجمعوا على أن ما يثبت كيله بالنص إذا بيع وزناً بالدراهم يجوز، وكذا ما يثبت وزنه بالنص إذا بيع كيلاً بالدراهم يجوز.

وعن محمد في «المنتقى» في باب صفة تسليم الثمن بالثمن إن شراء البر وزناً لا يجوز، فإن أخذه رد مثله بكيل، فإن أكله قبل أن يكيله فالقول قوله أنه كذا كذا قفيراً مع يمينه، قال: وأستحسن في الثمن أن يجوز بيعه وزناً، أو كان الثمن بعينه، فيقول: أبيعك منه كذا رطلاً بدرهم.

وفي «المنتقى» أيضاً: في باب السلم الصحيح والفاسد رواية إبراهيم عن محمد لا تجوز الحنطة في السلم وزناً، وفي آخر هذا الباب، وقال أبو يوسف: لا بأس بالسلم في الحنطة بالوزن، وروى بشر بن الوليد عن أبي يوسف: إذا أسلم في التمر وزناً جاز استحساناً، وروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة لا يجوز.

وفي «المنتقى» أيضاً: في باب القرض وصحته وبطلانه عن محمد: لا

<<  <  ج: ص:  >  >>