[[سورة الزخرف (٤٣) : آية ١٥]]
وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (١٥)
وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً متصل بقوله: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ أي وقد جعلوا له بعد ذلك الاعتراف من عباده ولداً فقالوا الملائكة بنات الله، ولعله سماه جزءاً كما سمي بعضاً لأنه بضعة من الوالد دلالة على استحالته على الواحد الحق في ذاته، وقرأ أبو بكر «جزءوا» بضمتين. إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ ظاهر الكفران ومن ذلك نسبة الولد إلى الله لأنها من فرط الجهل به والتحقير لشأنه.
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ١٦ الى ١٧]
أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ (١٦) وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (١٧)
أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ معنى الهمزة في أَمِ للإِنكار والتعجب من شأنهم حيث لم يقنعوا بأن جعلوا له جزءاًً حتى جعلوا له من مخلوقاته أجزاء أخس مما اختير لهم وأبغض الأشياء إليهم، بحيث إذا بشر أحدهم بها اشتد غمه به كما قال:
وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا بالجنس الذي جعله له مثلاً إذ الولد لا بد وأن يماثل الوالد. ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا صار وجهه أسود في الغاية لما يعتريه من الكآبة. وَهُوَ كَظِيمٌ مملوء قلبه من الكرب، وفي ذلك دلالات على فساد ما قالوه، وتعريف البنين بما مر في الذكور، وقرئ «مسود» و «مسواد» على أن في ظَلَّ ضمير المبشر و «وَجْهُهُ مُسْوَدّ» جملة وقعت خبرا.
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ١٨ الى ١٩]
أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ (١٨) وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ (١٩)
أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ أي أو جعلوا له، أو اتخذ من يتربى في الزينة يعني البنات. وَهُوَ فِي الْخِصامِ في المجادلة. غَيْرُ مُبِينٍ مقرر لما يدعيه من نقصان العقل وضعف الرأي، ويجوز أن يكون من مبتدأ محذوف الخبر أي أو من هذا حاله ولده وفِي الْخِصامِ متعلق ب مُبِينٍ، وإضافة غَيْرُ إليه لا يمنعه لما عرفت. وقرأ حمزة والكسائي وحفص يُنَشَّأُ أي يربي. وقرئ «يُنَشَّأُ» و «يناشأ» بمعناه ونظير ذلك أعلاه وعلاه وعالاه بمعنى.
وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً كفر آخر تضمنه مقالهم شنع به عليهم، وهو جعلهم أكمل العباد وأكرمهم على الله تعالى أنقصهم رأياً وأخسهم صنفاً. وقرئ عبيد وقرأ الحجازيان وابن عامر ويعقوب «عند» على تمثيل زلفاهم. وقرئ «أنثاً» وهو جمع الجمع. أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ أحضروا خلق الله إياهم فشاهدوهم إناثاً، فإن ذلك مما يعلم بالمشاهدة وهو تجهيل وتهكم بهم. وقرأ نافع أَشْهَدُواْ بهمزة الاستفهام وهمزة مضمومة بين بين، و «ءاأشهدوا» بمدة بينهما. سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ التي شهدوا بها على الملائكة. وَيُسْئَلُونَ أي عنها يوم القيامة، وهو وعيد شديد. وقرئ «سيكتب» و «سنكتب» بالياء والنون.
و «شهاداتهم» وهي أن لله جزءا أو أن له بنات وهن الملائكة ويساءلون من المساءلة.
[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٢٠ الى ٢١]
وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ مَّا لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (٢٠) أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (٢١)
وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ مَا عَبَدْناهُمْ أي لو شاء عدم عبادة الملائكة ما عبدناهم فاستدلوا بنفي مشيئة عدم العبادة على امتناع النهي عنها أو على حسنها، وذلك باطل لأن المشيئة ترجح بعض الممكنات على