للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النظم للإشعار بأن العمدة في فلاح المؤمنين فضل الله وفي هلاك الكافرين أن خسروا أنفسهم، وللتصريح بالوعد والتعريض بالوعيد قضية للكرم أو بما يليه، والمراد بآيات الله دلائل قدرته واستبداده بأمر السموات والأرض، أو كلمات توحيده وتمجيده وتخصيص الخسار بهم لأن غيرهم ذو حظ من الرحمة والثواب.

[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ٦٤ الى ٦٥]

قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ (٦٤) وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (٦٥)

قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ أي أفغير الله أعبد بعد هذه الدلائل والمواعيد، وتَأْمُرُونِّي اعتراض للدلالة على أنهم أمروه به عقيب ذلك وقالوا استلم بعض آلهتنا ونؤمن بإلهك لفرط غباوتهم، ويجوز أن ينتصب غير بما دل عليه تَأْمُرُونّى أَنْ أَعْبُدَ لأنه بمعنى تعبدونني على أن أصله تأمرونني أن أعبد فحذف إن ورفع كقوله:

أَلا أَيّهذا الزَّاجِرِي أحضر الوغى ويؤيده قراءة أَعْبُدُ بالنصب، وقرأ ابن عامر «تأمرونني» بإظهار النونين على الأصل ونافع بحذف الثانية فإنها تحذف كثيراً.

وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ أي من الرسل. لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ كلام على سبيل الفرض والمراد به تهييج الرسل وإقناط الكفرة والإِشعار على حكم الأمة، وإفراد الخطاب باعتبار كل واحد واللام الأولى موطئة للقسم والأخريان للجواب، وإطلاق الإِحباط يحتمل أن يكون من خصائصهم لأن شركهم أقبح، وأن يكون على التقييد بالموت كما صرح به في قوله وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وعطف الخسران عليه من عطف المسبب على السبب.

[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ٦٦ الى ٦٧]

بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٦٦) وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٧)

بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ رد لما أمروه به ولولا دلالة التقديم على الاختصاص لم يكن كذلك. وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ إنعامه عليك وفيه إشارة الى موجب الاختصاص.

وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ما قدروا عظمته في أنفسهم حق تعظيمه حيث جعلوا له شركاء ووصفوه بما لا يليق به، وقرئ بالتشديد. وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ تنبيه على عظمته وحقارة الأفعال العظام التي تتحير فيها الأوهام بالإِضافة إلى قدرته، ودلالة على أن تخريب العالم أهون شيء عليه على طريقة التمثيل والتخييل من غير اعتبار القبضة واليمين حقيقة ولا مجازاً كقولهم: شابت لمة الليل، والقبضة المرة من القبض أطلقت بمعنى القبضة وهي المقدار المقبوض بالكف تسمية بالمصدر أو بتقدير ذات قبضة. وقرئ بالنصب على الظرف تشبيهاً للمؤقت بالمبهم، وتأكيد الْأَرْضُ بالجميع لأن المراد بها الأرضون السبع أو جميع أبعاضها البادية والغائرة. وقرئ «مطويات» على أنها حال والسَّماواتُ معطوفة على الْأَرْضُ منظومة في حكمها. سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ ما أبعد وأعلى من هذه قدرته وعظمته عن إشراكهم، أو ما يضاف إليه من الشركاء.

[[سورة الزمر (٣٩) : آية ٦٨]]

وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ (٦٨)

<<  <  ج: ص:  >  >>