فتظهروه لنا. إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ما تتبعون في ذلك إلا الظن. وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ تكذبون على الله سبحانه وتعالى، وفيه دليل على المنع من اتباع الظن سيما في الأصول، ولعل ذلك حيث يعارضه قاطع إذ الآية فيه.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٤٩ الى ١٥٠]
قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (١٤٩) قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هذا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (١٥٠)
قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ البينة الواضحة التي بلغت غاية المتانة والقوة على الإثبات، أو بلغ بها صاحبها صحة دعواه وهي من الحج بمعنى القصد كأنها تقصد إثبات الحكم وتطلبه. فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ بالتوفيق لها والحمل عليها ولكن شاء هداية قوم وضلال آخرين.
قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ أحضروهم، وهو اسم فعل لا يتصرف عند أهل الحجاز، وفعل يؤنث ويجمع عند بني تميم وأصله عند البصريين: ها لم من لم إذا قصد حذفت الألف لتقدير السكون في اللام فإنه الأصل، وعند الكوفيين هل أم فحذفت الهمزة بإلقاء حركتها على اللام، وهو بعيد لأن هل لا تدخل الأمر ويكون متعدياً كما في الآية ولازماً كقوله هلم إلينا. الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هذا يعني قدوتهم فيه استحضرهم ليلزمهم الحجة ويظهر بانقطاعهم ضلالتهم وأنه لا متمسك لهم كمن يقلدهم، ولذلك قيد الشهداء بالإِضافة ووصفهم بما يقتضي العهد بهم. فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ فلا تصدقهم فيه وبين لهم فساده فإن تسلميه موافقة لهم في الشهادة الباطلة. وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا من وضع المظهر موضع المضمر للدلالة على أن مكذب الآيات متبع الهوى لا غير، وأن متبع الحجة لا يكون إلا مصدقاً بها. وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ كعبدة الأوثان. وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ يجعلون له عديلاً.
[[سورة الأنعام (٦) : آية ١٥١]]
قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٥١)
قُلْ تَعالَوْا أمر من التعالي وأصله أن يقوله من كان في علو لمن كان في سفل فاتسع فيه بالتعميم.
أَتْلُ أقرأ. مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ منصوب بأتل وما تحتمل الخبرية والمصدرية، ويجوز أن تكون استفهامية منصوبة بحرم والجملة مفعول أَتْلُ لأنه بمعنى أقل، فكأنه قيل أتل أي شيء حرم ربكم عَلَيْكُمْ متعلق ب حَرَّمَ أو أَتْلُ. أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ أي لا تشركوا به ليصح عطف الأمر عليه، ولا يمنعه تعليق الفعل المفسر ب مَا حَرَّمَ، فإن التحريم باعتبار الأوامر يرجع إلى أضدادها ومن جعل أن ناصبة فمحلها النصب بعليكم على أنه للإِغراء، أو البدل من مَا أو من عائده المحذوف على أن لا زائدة والجر بتقدير اللام، أو الرفع على تقدير المتلو أن لا تشركوا أو المحرم أن تشركوا. شَيْئاً يحتمل المصدر والمفعول. وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً أي وأحسنوا بهما إحساناً وضعه موضع النهي عن الإِساءة إليهما للمبالغة وللدلالة على أن ترك الإِساءة في شأنهما غير كاف بخلاف غيرهما. وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ من أجل فقر ومن خشيته.
كقوله: خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ منع لموجبية ما كانوا يفعلون لأجله واحتجاج عليه. وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ كبائر الذنوب أو الزنا. مَا ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ بدل منه وهو مثل قوله ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ كالقود وقتل المرتد ورجم المحصن. ذلِكُمْ إشارة إلى