قالَ عَمَّا قَلِيلٍ عن زمان قليل و «ما» صلة لتوكيد معنى القلة، أو نكرة موصوفة. لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ على التكذيب إذا عاينوا العذاب.
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ صيحة جبريل صاح عليهم صيحة هائلة تصدعت منها قلوبهم فماتوا، واستدل به على أن القرن قوم صالح. بِالْحَقِّ بالوجه الثابت الذي لا دافع له، أو بالعدل من الله كقولك فلان يقضي بالحق. أو بالوعد الصدق. فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً شبههم في دمارهم بغثاء السيل وهو حميله كقول العرب: سال به الوادي، لمن هلك. فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ يحتمل الإِخبار والدعاء، وبعداً مصدر بعد إذا هلك، وهو من المصادر التي تنصب بأفعال لا يستعمل إظهارها، واللام لبيان من دعي عليه بالبعد، ووضع الظاهر موضع ضميرهم للتعليل.
[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٤٢ الى ٤٤]
ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ (٤٢) مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (٤٣) ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا كُلَّ مَا جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ (٤٤)
ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ هي قوم صالح ولوط وشعيب وغيرهم.
مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها الوقت الّذي حد لهلاكها ومِنْ مزيدة للاستغراق. وَما يَسْتَأْخِرُونَ الأجل.
ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا متواترين واحداً بعد واحد من الوتر وهو الفرد، والياء بدل من الواو كتولج وتيقور والألف للتأنيث لأن الرسل جماعة، وقرأ أبو عمرو وابن كثير بالتنوين على أنه مصدر بمعنى المواترة وقع حالاً، وأماله حمزة وابن عامر والكسائي. كُلَّ مَا جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ إضافة الرسول مع الإِرسال إلى المرسل ومع المجيء إلى المرسل إليهم لأن الإِرسال الذي هو مبدأ الأمر منه والمجيء الذي هو منتهاه إليهم.
فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً في الإِهلاك. وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ لم نبق منهم إلا حكايات يسمر بها، وهو اسم جمع للحديث أو جمع أحدوثة وهي ما يتحدث به تلهياً. فَبُعْداً لِقَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ.
[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٤٥ الى ٤٦]
ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٤٥) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً عالِينَ (٤٦)
ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا بالآيات التسع. وَسُلْطانٍ مُبِينٍ وحجة واضحة ملزمة للخصم، ويجوز أن يراد به العصا وأفرادها لأنها أول المعجزات وأمها، تعلقت بها معجزات شتى: كانقلابها حية وتلقفها ما أفكته السحرة، وانفلاق البحر وانفجار العيون من الحجر بضربهما بها، وحراستها ومصيرها شمعة وشجرة خضراء مثمرة ورشاء ودلواً، وأن يراد به المعجزات وبالآيات الحجج وأن يراد بهما المعجزات فإنها آيات للنبوة وحجة بينة على ما يدعيه النبي صلّى الله عليه وسلّم.
إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَاسْتَكْبَرُوا على الإِيمان والمتابعة. وَكانُوا قَوْماً عالِينَ متكبرين.
[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٤٧ الى ٤٩]
فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ (٤٧) فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (٤٨) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٤٩)
فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا ثنى البشر لأنه يطلق للواحد كقوله بَشَراً سَوِيًّا
كما يطلق للجمع كقوله:
فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً ولم يثن المثل لأنه في حكم المصدر، وهذه القصص كما نرى تشهد بأن قصارى شبه المنكرين للنبوة قياس حال الأنبياء على أحوالهم لما بينهم من المماثلة في الحقيقة وفساده يظهر للمستبصر