للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على تعذيبكم أشد عذاب وكأنه تقدير لكبر اليوم.

أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ يثنونها عن الحق وينحرفون عنه، أو يعطفونها على الكفر وعداوة النبي صلّى الله عليه وسلّم، أو يولون ظهورهم. وقرئ «يثنوني» بالياء والتاء من اثنوني، وهو بناء مبالغة. و «تثنون» ، وأصله تثنونن من الثن وهو الكلأ الضعيف أراد به ضعف قلوبهم أو مطاوعة صدورهم للثني، و «يثنئن» من اثنأن كأبياض بالهمزة و «تثنوي» . لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ من الله بسرهم فلا يطلع رسوله والمؤمنين عليه. قيل إنها نزلت في طائفة من المشركين قالوا: إذا أرخينا ستورنا واستغشينا ثيابنا وطوينا صدورنا على عداوة محمد كيف يعلم.

وقيل نزلت في المنافقين وفيه نظر إذ الآية مكية والنفاق حدث بالمدينة. أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ ألا حين يأوون إلى فراشهم ويتغطون بثيابهم. يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ في قلوبهم. وَما يُعْلِنُونَ بأفواههم يستوي في علمه سرهم وعلنهم فكيف يخفى عليه ما عسى يظهرونه. إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ بالأسرار ذات الصدور أو بالقلوب وأحوالها.

[[سورة هود (١١) : آية ٦]]

وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٦)

وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها غذاؤها ومعاشها لتكفله إياه تفضلاً ورحمة، وإنما أتى بلفظ الوجوب تحقيقاً لوصوله وحملاً على التوكل فيه. وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها أماكنها في الحياة والممات، أو الأصلاب والأرحام أو مساكنها من الأرض حين وجدت بالفعل ومودعها من المواد والمقار حين كانت بعد بالقوة. كُلٌّ كل واحد من الدواب وأحوالها. فِي كِتابٍ مُبِينٍ مذكور في اللوح المحفوظ، وكأنه أريد بالآية بيان كونه عالماً بالمعلومات كلها وبما بعدها بيان كونه قادراً على الممكنات بأسرها تقريراً للتوحيد ولما سبق من الوعد والوعيد.

[[سورة هود (١١) : آية ٧]]

وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (٧)

وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ أي خلقهما وما فيهما كما مر بيانه في «الأعراف» ، أو ما في جهتي العلو والسفل وجمع السموات دون الأرض لاختلاف العلويات بالأصل والذات دون السفليات.

وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ قبل خلقهما لم يكن حائل بينهما لا أنه كان موضوعاً على متن الماء، واستدل به على إمكان الخلاء وأن الماء أول حادث بعد العرش من أجرام هذا العالم. وقيل كان الماء على متن الريح والله أعلم بذلك. لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا متعلق ب خَلَقَ أي خلق ذلك كخلق من خلق ليعاملكم معاملة المبتلي لأحوالكم كيف تعملون، فإن جملة ذلك أسباب ومواد لوجودكم ومعاشكم وما تحتاج إليه أعمالكم ودلائل وأمارات تستدلون بها وتستنبطون منها، وإنما جاز تعليق فعل البلوى لما فيه من معنى العلم من حيث إنه طريق إليه كالنظر والاستماع، وإنما ذكر صيغة التفضيل والاختبار شامل لفرق المكلفين باعتبار الحسن والقبح للتحريض على أحاسن المحاسن، والتحضيض على الترقي دائماً في مراتب العلم والعمل فإن المراد بالعمل ما يعم عمل القلب والجوارح ولذلك

قال النبي صلّى الله عليه وسلّم «أيكم أحسن عقلاً وأورع عن محارم الله وأسرع في طاعة الله» .

والمعنى أيكم أكمل علماً وعملاً. وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ أي ما البعث أو القول به أو القرآن المتضمن لذكره إلا كالسحر في الخديعة أو البطلان. وقرأ حمزة والكسائي «إلا ساحر» على أن الإِشارة إلى القائل. وقرئ إِنَّكُمْ بالفتح على تضمن قلت معنى ذكرت أو أن يكون أن بمعنى على أي ولئن قلت علَّكم مبعوثون، بمعنى توقعوا بعثكم ولا تبتوا بإنكاره لعدوه من قبيل ما لا حقيقة له مبالغة في إنكاره.

<<  <  ج: ص:  >  >>