قُلْ هُوَ أي ما أنبأتكم به من أني نذير من عقوبة من هذه صفته وأنه واحد في ألوهيته، وقيل ما بعده من نبأ آدم. نَبَأٌ عَظِيمٌ.
أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ لتمادي غفلتكم فإن العاقل لا يعرض عن مثله كيف وقد قامت عليه الحجج الواضحة، أما على التوحيد فما مرَّ وأما على النبوة فقوله:
مَا كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ فإن إخباره عن تقاول الملائكة وما جرى بينهم على ما ورد في الكتب المتقدمة من غير سماع ومطالعة كتاب لا يتصوّر إلا بالوحي، وإِذْ متعلق ب عِلْمٍ أو بمحذوف إذ التقدير من علم بكلام الملأ الأعلى.
إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ أي لأنما كأنه لما جوز أن الوحي يأتيه بين بذلك ما هو المقصود به تحقيقاً لقوله إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ ويجوز أن يرتفع بإسناد يوحى إليه، وقرئ إِنَّمَا بالكسر على الحكاية.
[سورة ص (٣٨) : الآيات ٧١ الى ٧٤]
إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ (٧١) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (٧٢) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٧٣) إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (٧٤)
إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ بدل من إِذْ يَخْتَصِمُونَ مبين له فإن القصة التي دخلت إذ عليها مشتملة على تقاول الملائكة وإبليس في خلق آدم عليه السلام، واستحقاقه للخلافة والسجود على ما مر في «البقرة» ، غير أنها اختصرت اكتفاء بذلك واقتصاراً على ما هو المقصود منها، وهو إنذار المشركين على استكبارهم على النبي عليه الصلاة والسلام بمثل ما حاق بإبليس على استكباره على آدم عليه السلام، هذا ومن الجائز أن يكون مقاولة الله تعالى إياهم بواسطة ملك، وأن يفسر «الملأ الأعلى» بما يعم الله تعالى والملائكة.
فَإِذا سَوَّيْتُهُ عدلت خلقته. وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي وأحييته بنفخ الروح فيه، وإضافته الى نفسه لشرفه وطهارته. فَقَعُوا لَهُ فخروا له. ساجِدِينَ تكرمة وتبجيلاً له وقد مر الكلام فيه في «البقرة» .
فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ.
إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ تعظم. وَكانَ وصار. مِنَ الْكافِرِينَ باستنكاره أمر الله تعالى واستكباره عن المطاوعة، أو كان منهم في علم الله تعالى.
[سورة ص (٣٨) : الآيات ٧٥ الى ٧٦]
قالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ (٧٥) قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (٧٦)
قالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ خلقته بنفسي من غير توسط كأب وأم، والتثنية لما في خلقه من مزيد القدرة واختلاف الفعل، وقرئ على التوحيد وترتيب الإنكار عليه للإشعار بأنه المستدعي للتعظيم، أو بأنه الذي تشبث به في تركه وهو لا يصلح مانعاً إذ للسيد أن يستخدم بعض عبيده لبعض سيما وله مزيد اختصاص. أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ تكبرت من غير استحقاق أو كنت ممن علا واستحق التفوق، وقيل استكبرت الآن أم لم تزل منذ كنت من المستكبرين، وقرئ «اسْتَكْبَرْتَ» بحذف الهمزة لدلالة أَمْ عليها أو بمعنى الإخبار.