كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ دل على خيريتهم فيما مضى ولم يدل على انقطاع طرأ كقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً وقيل كنتم في علم الله أو في اللوح المحفوظ، أو فيما بين الأمم المتقدمين. أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ أي أظهرت لهم. تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ استئناف بين به كونهم خَيْرَ أُمَّةٍ، أو خبر ثان لكنتم. وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ يتضمن الإِيمان بكل ما يجب أن يؤمن به، لأن الإِيمان به إنما يحق ويعتد به إذا حصل الإِيمان بكل ما أمر أن يؤمن به، وإنما أخره وحقه أن يقدم لأنه قصد بذكره الدلالة على أنهم أمروا بالمعروف وَنَهَوْاْ عَنِ المنكر إيماناً بالله وتصديقاً به وإظهاراً لدينه، واستدل بهذه الآية على إن الاجماع حجة لأنها تقتضي كونهم آمرين بكل معروف وناهين عن كل منكر، إذ اللام فيهما للاستغراق فلو أجمعوا على باطل كان أمرهم على خلاف ذلك. وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ إيماناً كما ينبغي لَكانَ خَيْراً لَهُمْ لكان الإِيمان خيراً لهم مما هم عليه. مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ كعبد الله بن سلام وأصحابه. وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ المتمردون في الكفر، وهذه الجملة والتي بعدها واردتان على سبيل الاستطراد.
لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً ضرراً يسيراً كطعن وتهديد. وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ينهزموا ولا يضروكم بقتل وأسر. ثُمَّ لاَ يُنْصَرُونَ ثم لا يكون أحد ينصرهم عليكم أو يدفع بأسكم عنهم، نفي إضرارهم سوى ما يكون بقول وقرر ذلك بأنهم لو قاموا إلى القتال كانت الدبرة عليهم، ثم أخبر بأنه تكون عاقبتهم العجز والخذلان. وقرئ «لا ينصروا» عطفاً على يولوا على أن ثم للتراخي في الرتبة فيكون عدم النصر مقيداً بقتالهم، وهذه الآية من المغيبات التي وافقها الواقع إذ كان ذلك حال قريظة والنضير وبني قينقاع ويهود خيبر.
ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ هدر النفس والمال والأهل، أو ذل التمسك بالباطل والجزية. أَيْنَ ما ثُقِفُوا وجدوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ استثناء من أعم عام الأحوال أي ضربت عليهم الذلة في عامة الأحوال إلا معتصمين، أو ملتبسين بذمة الله أو كتابة الذي آتاهم وذمة المسلمين، أو بدين الإِسلام واتباع سبيل المؤمنين. وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ رجعوا به مستوجبين له وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ فهي محيطة بهم إحاطة البيت المضروب على أهله، واليهود في غالب الأمر فقراء ومساكين. ذلِكَ إشارة إلى ما ذكر من ضرب الذلة والمسكنة والبوء بالغضب. بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ بسبب كفرهم بالآيات وقتلهم الأنبياء. والتقييد بغير حق مع أنه كذلك في نفس الأمر للدلالة على أنه لم يكن حقاً بحسب اعتقادهم أيضاً. ذلِكَ أي الكفر والقتل. بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ بسبب عصيانهم واعتدائهم حدود الله، فإن الإِصرار على الصغائر يفضي إلى الكبائر والاستمرار عليها يؤدي إلى الكفر. وقيل معناه أن ضرب الذلة في الدنيا واستيجاب الغضب في الآخرة كما هو معلل بكفرهم وقتلهم فهو مسبب عن عصيانهم