ظلموا أنفسهم بالاقتصار على التقليد فلا يهتدون إلى الحق ولا يثبتون في مواقف الفتن. وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشاءُ من تثبيت بعض وإضلال آخرين من غير اعتراض عليه.
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٢٨ الى ٣٠]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ (٢٨) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ (٢٩) وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (٣٠)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً أي شكر نعمته كفراً بأن وضعوه مكانه، أو بدلوا نفس النعمة كفراً، فإنهم لما كفروها سلبت منهم فصاروا تاركين لها محصلين للكفر بدلها كأهل مكة، خلقهم الله تعالى وأسكنهم حرمه وجعلهم قوام بيته ووسع عليهم أبواب رزقه وشرفهم بمحمد صلّى الله عليه وسلّم، فكفروا ذلك فقحطوا سبع سنين وأسروا وقتلوا يوم بدر وصاروا أذلاء، فبقوا مسلوبي النعمة وموصوفين بالكفر،
وعن عمر وعلي رضي الله تعالى عنهما: هم الأفجران من قريش بنو المغيرة وبنو أمية، فأما بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر، وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين.
وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ الذين شايعوهم في الكفر. دارَ الْبَوارِ دار الهلاك بحملهم على الكفر.
جَهَنَّمَ عطف بيان لها. يَصْلَوْنَها حال منها أو من القوم، أي داخلين فيها مقاسين لحرها، أو مفسر لفعل مقدر ناصب لجهنم. وَبِئْسَ الْقَرارُ أي وبئس المقر جهنم.
وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ الذي هو التوحيد. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ورويس عن يعقوب بفتح الياء، وليس الضلال ولا الاضلال غرضهم في اتخاذ الأنداد لكن لما كان نتيجته جعل كالغرض. قُلْ تَمَتَّعُوا بشهواتكم أو بعبادة الأوثان فإنها من قبيل الشهوات التي يتمتع بها، وفي التهديد بصيغة الأمر إيذان بأن المهدد عليه كالمطلوب لافضائه إلى المهدد به، وأن الأمرين كائنان لا محالة ولذلك علله بقوله: فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ وأن المخاطب لانهماكه فيه كالمأمور به من آمر مطاع.
[[سورة إبراهيم (١٤) : آية ٣١]]
قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ (٣١)
قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا خصهم بالإضافة تنويهاً لهم وتنبيهاً على أنهم المقيمون لحقوق العبودية، ومفعول قُلْ محذوف يدل عليه جوابه: أي قل لعبادي الذين آمنوا أقيموا الصلاة وأنفقوا. يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ فيكون إيذاناً بأنهم لفرط مطاوعتهم للرسول صلّى الله عليه وسلّم بحيث لا ينفك فعلهم عن أمره، وأنه كالسبب الموجب له، ويجوز أن يقدرا بلام الأمر ليصح تعلق القول بهما وإنما حسن ذلك ها هنا ولم يحسن في قوله:
مُحَمَّدٌ تفد نَفْسَكَ كُلُّ نَفْس ... إِذَا مَا خفت مِنْ أَمْرٍ تَبَالاَ
لدلالة قل عليه. وقيل هما جواباً أقيموا وأنفقوا مقامين مقامهما، وهو ضعيف لأنه لا بد من مخالفة ما بين الشرط وجوابه ولأن أمر المواجهة لا يجاب بلفظ الغيبة إذا كان الفاعل واحداً. سِرًّا وَعَلانِيَةً منتصبان على المصدر أي إنفاق سر وعلانية، أو على الحال أي ذوي سر وعلانية، أو على الظرف أي وقتي سر وعلانية، والأحب إعلان الواجب وإخفاء المتطوع به. مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ فيبتاع المقصر ما يتدارك به تقصيره أو يفدى به نفسه. وَلا خِلالٌ ولا مخالة فيشفع لك خليل، أو من قبل أن يأتى يوم لا انتفاع فيه بمبايعة ولا مخالة وإنما ينتفع فيه بالانفاق لوجه الله تعالى. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب بالفتح فيهما على النفي العام.