للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«عهدوا» . نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ نقضه، وأصل النبذ الطرح، لكنه يغلب فيما ينسى، وإنما قال فريق لأن بعضهم لم ينقض بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ رد لما يتوهم من أن الفريق هم الأقلون، أو أن من لم ينبذ جهاراً فهم مؤمنون به خفاء.

[[سورة البقرة (٢) : آية ١٠١]]

وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللَّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٠١)

وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ كعيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام. نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللَّهِ يعني التوراة، لأن كفرهم بالرسول المصدق لها كفر بها فيما يصدقه، ونبذ لما فيها من وجوب الإيمان بالرسل المؤيدين بالآيات. وقيل ما مع الرسول صلّى الله عليه وسلّم هو القرآن.

وَراءَ ظُهُورِهِمْ مثل لإِعراضهم عنه رأساً، بالإعراض عما يرمي به وراء الظهر لعدم الالتفات إليه.

كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ أنه كتاب الله، يعني أن علمهم به رصين ولكن يتجاهلون عناداً. واعلم أنه تعالى دل بالآيتين على أن جيل اليهود أربع فرق: فرقة آمنوا بالتوراة وقاموا بحقوقها كمؤمني أهل الكتاب وهم الأقلون المدلول عليهم بقوله: بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ. وفرقة جاهروا بنبذ عهودها وتخطي حدودها تمردا وفسوقاً، وهم المعنيون بقوله: نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ. وفرقة لم يجاهروا بنبذها ولكن نبذوا لجهلهم بها وهم الأكثرون.

وفرقة تمسكوا بها ظاهراً ونبذوها خفية عالمين بالحال، بغياً وعناداً وهم المتجاهلون.

[[سورة البقرة (٢) : آية ١٠٢]]

وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (١٠٢)

وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّياطِينُ عطف على نبذ، أي نبذوا كتاب الله واتبعوا كتب السحر التي تقرؤها، أو تتبعها الشياطين من الجن، أو الإِنس، أو منهما. عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ أي عهده، وتتلو حكاية حال ماضية، قيل: كانوا يسترقون السمع ويضمون إلى ما سمعوا أكاذيب، ويلقونها إلى الكهنة وهم يدونونها ويعلمون الناس، وفشا ذلك في عهد سليمان عليه السلام حتى قيل: إن الجن يعلمون الغيب، وأن مُلْكَ سليمان تَمَّ بهذا العلم، وأنه تُسَخَّرُ به الجن والإِنس والريح له. وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ تكذيب لمن زعم ذلك، وعبر عن السحر بالكفر ليدل على أنه كفر، وأن من كان نبياً كان معصوماً منه. وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا باستعماله، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي و «لَكِنِ» بالتخفيف، ورفع الشَّياطِينُ. يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ إغواءً وإضلالاً، والجملة حال من الضمير، والمراد بالسحر ما يستعان في تحصيله بالتقرب إلى الشيطان مما لا يستقل به الإنسان، وذلك لا يستتب إلا لمن يناسبه في الشرارة وخبث النفس. فإن التناسب شرط في التضام والتعاون، وبهذا تميز الساحر عن النبي والولي، وأما ما يتعجب منه كما يفعله أصحاب الحيل بمعونة الآلات والأدوية أو يريه صاحب خفة اليد فغير مذموم، وتسميته سحراً عمل التجوز، أو لما فيه من الدقة لأنه في الأصل لما خفي سببه. وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ عطف على السحر والمراد بهما واحد، والعطف لتغاير الاعتبار، أو المراد به نوع أقوى منه، أو على ما تتلو. وهما ملكان أنزلا لتعليم السحر ابتلاء من الله للناس، وتمييزاً بينه وبين المعجزة. وما

روي أنهما مثلاً بشرين، وركب فيهما الشهوة فتعرضا لامرأة يقال لها: زهرة،

<<  <  ج: ص:  >  >>