للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يا أَهْلَ الْكِتابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ الخطاب للفريقين، غلت اليهود في حط عيسى عليه الصلاة والسلام حتى رموه بأنه ولد من غير رشدة، والنصارى في رفعه حتى اتخذوه إلهاً. وقيل الخطاب للنصارى خاصة فإنه أوفق لقوله: وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ يعني تنزيهه عن الصاحبة والولد. إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ أوصلها إليها وحصلها فيها. وَرُوحٌ مِنْهُ وذو روح صدر منه لا بتوسط ما يجري مجرى الأصل والمادة له، وقيل سمي روحاً لأنه كان يحيي الأموات أو القلوب فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ أي الآلهة ثلاثة الله والمسيح ومريم، ويشهد عليه قوله تعالى: أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ أو الله ثلاثة إن صح أنهم يقولون الله ثلاثة أقانيم الأب والابن وروح القدس، ويريدون بالأب الذات، وبالابن العلم، وبروح القدس الحياة. انْتَهُوا عن التثليث. خَيْراً لَكُمْ نصبه كما سبق. إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ أي واحد بالذات لا تعدد فيه بوجه ما. سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ أي أسبحه تسبيحا من أن يكون له ولد، فإنه يكون لمن يعادله مثل، ويتطرق إليه فناء. لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ملكاً وخلقاً لا يماثله شيء من ذلك فيتخذه ولداً. وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا تنبيه على غناه عن الولد فإن الحاجة إليه ليكون وكيلاً لأبيه والله سبحانه وتعالى قائم بحفظ الأشياء كاف في ذلك مستغن عمن يخلقه أو يعينه.

[[سورة النساء (٤) : آية ١٧٢]]

لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً (١٧٢)

ْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ

لن يأنف، من نكفت الدمع إذا نحيته بأصبعك كيلا يرى أثره عليك. نْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ

من أن يكون عبداً له فإن عبوديته شرف يتباهى به، وإنما المذلة والاستنكاف في عبودية غيره.

روي (أن وفد نجران قالوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لم تعيب صاحبنا؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ومن صاحبكم؟ قالوا: عيسى عليه السلام، قال عليه السلام: وأي شيء أقول. قالوا: تقول إنه عبد الله ورسوله، قال إنه ليس بعار أن يكون عبد الله، قالوا: بلى) فنزلت

لَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ

عطف على المسيح أي ولا يستنكف الملائكة المقربون أن يكونوا عبيداً لله، واحتج به من زعم فضل الملائكة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وقال مساقه لرد قول النصارى في رفع المسيح عن مقام العبودية وذلك يقتضي أن يكون المعطوف أعلى درجة من المعطوف عليه حتى يكون عدم استنكافهم كالدليل على عدم استنكافه، وجوابه أن الآية للرد على عبدة المسيح والملائكة فلا يتجه ذلك وإن سلم اختصاصها بالنصارى فلعله أراد بالعطف المبالغة باعتبار التكثير دون التكبير كقولك: أصبح الأمير لا يخالفه رئيس ولا مرؤوس، وإن أراد به التكبير فغايته تفضيل المقربين من الملائكة وهم الكروبيون الذين هو حول العرش، أو من أعلى منهم رتبة من الملائكة أعلى المسيح من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وذلك لا يستلزم فضل أحد الجنسين على الآخر مطلقاً والنزاع فيه مَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ

ومن يرتفع عنها، والاستكبار دون الاستنكاف ولذلك عطف عليه وإنما يستعمل من حيث لا استحقاق بخلاف التكبر فإنه قد يكون بالاستحقاق. سَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً

فيجازيهم.

[[سورة النساء (٤) : آية ١٧٣]]

فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (١٧٣)

<<  <  ج: ص:  >  >>