ولعله رؤيا رآها في وقعة بدر لقوله تعالى: إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلًا ولما
روي (أنه لما ورد ماءه قال لكأني أنظر إلى مصارع القوم هذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان، فتسامعت به قريش واستسخروا منه) .
وقيل رأى قوماً من بني أمية يرقون منبره وينزون عليه نزو القردة فقال: «هذا حظهم من الدنيا يعطونه بإسلامهم» ، وعلى هذا كان المراد بقوله: إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ ما حدث في أيامهم. وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ عطف على الرُّؤْيَا وهي شجرة الزقوم، لما سمع المشركون ذكرها قالوا إن محمداً يزعم أن الجحيم تحرق الحجارة ثم يقول ينبت فيها الشجر، ولم يعلموا أن من قدر أن يحمي وبر السَمَنْدَل من أن تأكله النار، وأحشاء النعامة من أذى الجمر وقطع الحديد المحماة الحمر التي تبتلعها، قدر أن يخلق في النار شجرة لا تحرقها. ولعنها في القرآن لعن طاعميها وصفت به على المجاز للمبالغة، أو وصفها بأنها في أصل الجحيم فإنه أبعد مكان من الرحمة، أو بأنها مكروهة مؤذية من قولهم طعام ملعون لما كان ضاراً، وقد أولت بالشيطان وأبي جهل والحكم بن أبي العاصي، وقرأت بالرفع على الابتداء والخبر محذوف أي والشجرة الملعونة في القرآن كذلك. وَنُخَوِّفُهُمْ بأنواع التخويف. فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً إلا عتواً متجاوز الحد.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٦١ الى ٦٢]
وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً (٦١) قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً (٦٢)
وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً لمن خلقته من طين، فنصب بنزع الخافض، ويجوز أن يكون حالاً من الراجع إلى الموصول أي خلقته وهو طين، أو منه أي أأسجد له وأصله طين. وفيه على الوجوه الثلاثة إيماء بعلة الإنكار.
قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ الكاف لتأكيد الخطاب لا محل له من الإِعراب، وهذا مفعول أول والذي صفته والمفعول الثاني محذوف لدلالة صلته عليه، والمعنى أخبرني عن هذا الذي كرمته علي بأمري بالسجود له لم كرمته علي. لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ كلام مبتدأ واللام موطئة للقسم وجوابه: لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا أي لأستأصلنهم بالاغواء إلا قليلاً لا أقدر أن أقاوم شكيمتهم، من أحتنك الجراد الأرض إذا جرد ما عليها أكلاً، مأخوذ من الحنك وإنما علم أن ذلك يتسهل له إما استنباطاً من قول الملائكة أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها مع التقرير، أو تفرساً من خلقه ذا وهم وشهوة وغضب.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٦٣ الى ٦٤]
قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً (٦٣) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً (٦٤)
قالَ اذْهَبْ امض لما قصدته وهو طرد وتخلية بينه وبين ما سولت له نفسه. فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جزاؤك وجزاؤهم فغلب المخاطب على الغائب، ويجوز أن يكون الخطاب للتابعين على الالتفات. جَزاءً مَوْفُوراً مكملاً من قولهم فر لصاحبك عرضه، وانتصاب جزاء على المصدر بإضمار فعله أو بما في جَزاؤُكُمْ من معنى تجازون، أو حال موطئة لقوله مَوْفُوراً.
وَاسْتَفْزِزْ واستخفف. مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ أن تستفزه والفز الخفيف. بِصَوْتِكَ بدعائك إلى الفساد. وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ وصح عليهم من الجلبة وهي الصياح. بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ بأعوانك من راكب وراجل، والخيل الخيالة ومنه
قوله عليه الصلاة والسلام «يا خيل الله اركبي»
والرجل اسم جمع للراجل