فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ فتعظموا فيها على أهلها من غير استحقاق. وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً اغتراراً بقوتهم وشوكتهم. قيل كان من قوتهم أن الرجل منهم ينزع الصخرة فيقتلعها بيده. أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً قدرة فإنه قادر بالذات مقتدر على ما لا يتناهى، قوي على ما لا يقدر عليه أحد غيره. وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ يعرفون أنها حق وينكرونها وهو عطف على فَاسْتَكْبَرُوا.
فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً باردة تهلك بشدة بردها من الصر وهو البرد الذي يصر أي يجمع، أو شديدة الصوت في هبوبها من الصرير. فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ جمع نحسة من نحس نحساً نقيض سعد سعداً، وقرأ الحجازيان والبصريان بالسكون على التخفيف أو النعت على فعل، أو الوصف بالمصدر، قيل كن آخر شوال من الأربعاء إلى الأربعاء وما عذب قوم إلا في يوم الأربعاء. لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا أضاف ال عَذابَ إلى الْخِزْيِ وهو الذل على قصد وصفة به لقوله: وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وهو في الأصل صفة المعذب وإنما وصف به العذاب على الإِسناد المجازي للمبالغة. وَهُمْ لاَ يُنْصَرُونَ بدفع العذاب عنهم.
[سورة فصلت (٤١) : الآيات ١٧ الى ١٨]
وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٧) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (١٨)
وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فدللناهم على الحق بنصب الحجج وإرسال الرسل، وقرئ «ثَمُودَ» بالنصب بفعل مضمر يفسره ما بعده ومنوناً في الحالين وبضم الثاء. فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فاختاروا الضلالة على الهدى. فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ صاعقة من السماء فأهلكتهم، وإضافتها إلى الْعَذابِ ووصفه ب الْهُونِ للمبالغة. بِما كانُوا يَكْسِبُونَ من اختيار الضلالة.
وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ من تلك الصاعقة.
[سورة فصلت (٤١) : الآيات ١٩ الى ٢٠]
وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٩) حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٠)
وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ وقرئ «يَحْشُرُ» على البناء للفاعل وهو الله عز وجل. وقرأ نافع نَحْشُرُ بالنون مفتوحة وضم الشين ونصب أَعْداءُ. فَهُمْ يُوزَعُونَ يحبس أولهم على آخرهم لئلا يتفرقوا وهو عبارة عن كثرة أهل النار.
حَتَّى إِذا ما جاؤُها إذا حضروها وما مزيدة لتأكيد اتصال الشهادة بالحضور. شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ بأن ينطقها الله تعالى، أو يظهر عليها آثاراً تدل على ما اقترف بها فتنطق بلسان الحال.
[سورة فصلت (٤١) : الآيات ٢١ الى ٢٢]
وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢١) وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢٢)
وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا سؤال توبيخ أو تعجب، ولعل المراد به نفس التعجب. قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ أي ما نطقنا باختيارنا بل أنطقنا الله الذى أنطق كل شىء، أو ليس نطقنا بعجب من قدرة الله الذي أنطق كل حي، ولو أول الجواب والنطق بدلالة الحال بقي الشيء عاماً في