عشرة عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى. وبلوغ النكاح كناية عن البلوغ، لأنه يصلح للنكاح عنده. فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فإن أبصرتم منهم رشدا. وقرئ أحستم بمعنى أحسستم. فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ من غير تأخير عن حد البلوغ، ونظم الآية أن إن الشرطية جواب إذاً المتضمنة معنى الشرط، والجملة غاية الابتلاء فكأنه قيل وابتلوا اليتامى إلى وقت بلوغهم واستحقاقهم دفع أموالهم إليهم بشرط إيناس الرشد منهم، وهو دليل على أنه لا يدفع إليهم ما لم يؤنس منهم الرشد. وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: إذا زادت على سن البلوغ سبع سنين وهي مدة معتبرة في تغير الأحوال، إذ الطفل يميز بعدها ويؤمر بالعبادة، دفع إليه المال وإن لم يؤنس منه الرشد. وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا مسرفين ومبادرين كبرهم، أو لإِسرافكم ومبادرتكم كبرهم. وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ من أكلها. وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ بقدر حاجته وأجرة سعيه، ولفظ الاستعفاف والأكل بالمعروف مشعر بأن الولي له حق في مال الصبي،
وعنه عليه الصلاة والسلام «أن رجلاً قال له إن في حجري يتيماً أفآكل من ماله؟ قال: كل بالمعروف غير متأثل مالاً ولا واق مالك بماله»
وإيراد هذا التقسيم بعد قوله ولا تأكلوها يدل على أنه نهي للأولياء أن يأخذوا وينفقوا على أنفسهم أموال اليتامى. فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ بأنهم قبضوها فإنه أنفى للتهمة وأبعد من الخصومة، ووجوب الضمان وظاهره يدل على أن القيم لا يصدق في دعواه إلا بالبينة وهو المختار عندنا وهو مذهب مالك خلافاً لأبي حنيفة. وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً محاسباً فلا تخالفوا ما أمرتم به ولا تتجاوزوا ما حد لكم.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٧ الى ٨]
لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (٧) وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (٨)
لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ يريد بهم المتوارثين بالقرابة. مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ بدل مما ترك بإعادة العامل. نَصِيباً مَفْرُوضاً نصب على أنه مصدر مؤكد كقوله تعالى: فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ أو حال إذ المعنى: ثبت لهم مفروضاً نصيب، أو على الاختصاص بمعنى أعني نصيباً مقطوعاً واجباً لهم، وفيه دليل على أن الوارث لو أعرض عن نصيبه لم يسقط حقه.
روي (أن أوس بن الصامت الأنصاري خلف زوجته أم كحة وثلاث بنات، فزوى ابنا عمه سويد وعرفطة. أو قتادة وعرفجة ميراثه عنهن على سنة الجاهلية، فإنهم ما كانوا يورثون النساء والأطفال ويقولون:
إنما يرث من يحارب ويذب عن الحوزة، فجاءت أم كحة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مسجد الفضيخ فشكت إليه فقال: ارجعي حتى أنظر ما يحدث الله. فنزلت فبعث إليهما: لا تفرقا من مال أوس شيئاً فإن الله قد جعل لهن نصيباً ولم يبين حتى يبين. فنزلت
يُوصِيكُمُ اللَّهُ فأعطى أم كحة الثمن والبنات الثلثين والباقي ابني العم) . وهو دليل على جواز تأخير البيان عن وقف الخطاب.
وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى ممن لا يرث وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ فاعطوهم شيئاً من المقسوم تطييباً لقلوبهم. وتصدقاً عليهم، وهو أمر ندب للبالغ من الورثة. وقيل أمر وجوب، ثم اختلف في نسخه والضمير لما ترك أو دل عليه القسمة وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً وهو أن يدعوا لهم ويستقلوا ما أعطوهم ولا يمنوا عليهم.
[[سورة النساء (٤) : آية ٩]]
وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (٩)
وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ أمر للأوصياء بأن يخشوا الله تعالى ويتقوه