لَعَنَهُ اللَّهُ صفة ثانية للشيطان. وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً عطف عليه أي شيطاناً مريداً جامعاً بين لعنة الله، وهذا القول الدال على فرط عداوته للناس.
وقد برهن سبحانه وتعالى أولاً على أن الشرك ضلال في الغاية على سبيل التعليل، بأن ما يشركون به ينفعل ولا يفعل فعلاً اختيارياً، وذلك ينافي الألوهية غاية المنافاة، فإن الإله ينبغي أن يكون فاعلاً غير منفعل، ثم استدل عليه بأنه عبادة الشيطان وهي أفظع الضلال لثلاثة أوجه. الأول: أنه مريد منهمك في الضلال لا يعلق بشيء من الخير والهدى، فتكون طاعته ضلالاً بعيداً عن الهدى. والثاني: أنه ملعون لضلاله فلا تستجلب مطاوعته سوى الضلال واللعن. والثالث: أنه في غاية العداوة والسعي في إهلاكهم وموالاة من هذا شأنه غاية الضلال فضلاً عن عبادته. والمفروض المقطوع أي نصيباً قدر لي وفرض من قولهم فرض له في العطاء.
[[سورة النساء (٤) : آية ١١٩]]
وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً (١١٩)
وَلَأُضِلَّنَّهُمْ عن الحق. وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ الأماني الباطلة كطول الحياة وأن لا بعث ولا عقاب.
وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ يشقونها لتحريم ما أحل الله وهي عبارة عما كانت العرب تفعل بالبحائر والسوائب، وإشارة إلى تحريم ما أحل ونقص كل ما خلق كاملاً بالفعل أو القوة. وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ عن وجهه وصورته أو صفته. ويندرج فيه ما قيل من فقء عين الحامي، وخصاء العبيد، والوشم، والوشر، واللواط، والسحق، ونحو ذلك وعبادة الشمس، والقمر، وتغيير فطرة الله تعالى التي هي الإِسلام، واستعمال الجوارح والقوى فيما لا يعود على النفس كمالاً ولا يوجب لها من الله سبحانه وتعالى زلفى.
وعموم اللفظ يمنع الخصاء مطلقاً لكن الفقهاء رخصوا في خصاء البهائم للحاجة. والجمل الأربع حكاية عما ذكره الشيطان نطقاً أو أتاه فعلاً. وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ بإيثاره ما يدعو إليه على مَا أَمَرَ الله بِهِ ومجاوزته عن طاعة الله سبحانه وتعالى إلى طاعته. فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً إذا ضيع رأس ماله وبدل مكانه من الجنة بمكان من النار.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٢٠ الى ١٢١]
يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً (١٢٠) أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً (١٢١)
يَعِدُهُمْ ما لا ينجزه. وَيُمَنِّيهِمْ ما لا ينالون. وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً وهو إظهار النفع فيما فيه الضرر وهذا الوعد إما بالخواطر الفاسدة، أو بلسان أوليائه.
أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً معدلاً ومهرباً من حاص يحيص إذا عدل وعنها حال منه، وليس صلة له لأنه اسم مكان وإن جعل مصدراً فلا يعمل أيضاً فيما قبله.
[[سورة النساء (٤) : آية ١٢٢]]
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً (١٢٢)
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا. أي وعده وعداً وحق ذلك حقاً، فالأول مؤكد لنفسه لأن مضمون الجملة الإِسمية التي قبله وعد، والثاني مؤكد لغيره ويجوز أن ينصب الموصول بفعل يفسره ما بعده، ووعد الله بقوله سَنُدْخِلُهُمْ لأنه بمعنى